السبت، 29 يونيو 2019

قراءة تأويلية في نص شريعة الهوى للشاعرة السورية هيام جم عماري ------- للمتألقة د. ليلى الصيني

قراءة تأويلية في نص 

"شريعة الهوى

" للشاعرة السورية هيام جم عكاري


.بقلم الطبيبة والاديبة

 د. ليلى الصيني


النص... شريعة الهوى)

.... 

تعال نبحث عن حبنا معاً

فأنا أضعتك في غياهب العشق 

وأنت تركتني على قمم الغياب أحترق  

كيف لحبك أن ينسيني ماالحب 

مشرد النبض بدوني 

بلاصوت  بلاذكريات 

أنسيت أنك أهديتني إياهافي ليلة عناق

مازلت بها أتنفس وأشهق 

أنا اسم قبيلتك 

ووجهة قبلتك 

كلما أوصدت عليك باب القلب 

من بين أصابعي تنسرق 

هل وقع نبضك على حب سواي 

هل غازلتك نساء غيري 

ياويلي 

وأنت من حلف الآيامن 

أنا منك وإليك 

أنت الدم والشريان 

ولعينيك الروح تنعتق 

عد من حيث أتيت أيها الحب 

فنحن من يلون المواثيق نهارا

وتحت جنح الليل ..نلعنها ونمزق 

في الماضي كان حبك 

في كل الفصول على خدي يزهر 

صار كحد السيف 

إن أقبلت تمايل متمردا حتى كدت منه أتمزق 

ماعادت عيناك معبدي 

ولايداك الممرغتان بالهجر 

وسادة غدي 

حتى الكلمات على شفتي تيتمت 

صارت تترنح وتتبعثر

عد من حيث أتيت أيها الحبيب 

فبلادك بصمت عشاقها تغرق

الحب شريعة 

من (يصرع في الهوى) عن محبوبه 

عن خله عن روحه لايفترق 

.........................


مابرحت مجتمعاتنا العربية ترزح تحت نير  مفاهيم وافكار منغلقة 

عن روح العصر تدور في فلك موروث مغلف بالقدسية محصّناً 

بالتحريم لقطع الطريق على كل من يتجرأ على انتقادهااوالاعتراض

على تخلفية مواكبتها لركب الحضارة الانسانية وتطور حياة شعوب 

الارض .و من اكثر تلك المفاهيم والافكار تخلفاً والتي تعد من اقدم

المركباتً المزمنة لبنيةالوعي الجمعي ومنظومة الاعراف والتقاليد

 السلوكية  لمجتمعاتنا العربية، هو مفهوم ( ذكورية المجتمع ) واحقية

الرجل بالسيادة على المرأة لمجرد كونه ذكراً ، وكونها ، انثى دورها

الاساس  في الحياة  يقتصر على الوظيفة التناسلية  واشباع حاجاته 

الغريزية ،وهو سلوك قبلي في جوهره فهو من جملة  الموروثات عن 

 طبيعة النظام المجتمعي للقبيلة  التي  تُعد  اساس البناء المجتمعي لسكان المدينة  في الوقت المعاصر لاسيما في موضوعة الذكورة المجتمعية

التي رسختها في الاذهان المؤسسة السلطوية الدينية ( المقدسة ...).

سقت هذه المقدمة الموجزة في بداية قراءتي لتهيئة وعي القارئ قبل استصحابي اياه ليلج معي عالم النص الذي يبدي اعتراضه على تلك 

الذكورية المتسيدة بل المتسلطة على سائر جوانب الحياة بلا وجه حق 

او مشروعية ما.

ابدأ قراءتي بالعتبة العنوانية للنص ( شريعة الهوى ) ، التي تمثل مفتاحيته مضموناَ ومعنى، لذا يجب الوقوف عندها لقراءة بنيتها الفنية بشكل تفصيلي:

- نحوياً :

جملة العنوان اسمية محذوفة المبتدأ بقصد توجيه انتباه القارئ نحو الخبر       

 ( شريعة ) وحمله على التفكر بدلالاته والايحاء اليه بان هذه الاشارة هي                           ( بؤرة ) النص المعنوية التي ستشد اليها سائر المعاني الفرعية 

- دلالياً :

الاشارة ( شريعة ) ذات دلالة توحي بالقدسية:

فهي تعني اصطلاحاً  : ما شرَّعَهُ الله للعباد من عقائد وأحكام عملية في 

الدين .واذا ما استدعينا معناها اللغوي  :ا لطريقة والمنهاج

يكون معناها العام : طريقة ومنهاج عمليين للتعبير عن ارتباط علاقاتي 

بين طرفين ( مرتبِط ومرتبَط به ) مؤطر بهالة قدسية ،  لتلازمية دلالتها 

 في الذاكرة الثقافية الجمعية بالاحكام الدينية .

اذا ًفالعتبة العنوانية توحي بأن صيرورة النص ستشاكل حدثية علاقة 

مقدسة تربط بين طرفين برباط  مقدس و الاشارة ( الهوى ) تخبرنا انه 

رباط حسي عاطفي ( الحب او العشق ) ينشأ بين امرأة  ورجل ، والشاعرة باختيارها هذه الاشارة كانت في غاية الحذاقة فلو انها اختارت بدلاً عنها الاشارة ( الحب ) لفقدت دلالتها العشقية بين المرأة والرجل ، فللحب دلالات حسية وشعورية متعددة اخرى منها / حب الام لاولادها ، حب الوطن او حب السفر ...الخ ، فانتقائية الاشارة ( الهوى ) كانت باضافتها للاشارة التي قبلها   ( شريعة ) اكثر تخصيصاً لدلالة هذه الشريعة وقصرها على معنى محدد هو       ( طريقة التعبير عن علاقة الحب المقدسة  .

ولماكانت تلك العلاقة مقدسة فهي تنفي ضديدها كذلك مرادفات كل منهما

فالمقدس يعني :الطاهر وهو ينفي المدنس ، وهو يعني الامانة والصدق

والوفاء والعطاء وهذه تنفي الخيانة والكذب والغدر والانانية ..الخ

والنص مسرح هذا الصراع الخفي بين (انا) الشاعرة الانثى الانسانة و 

( انت ) الآخر الذكوري ، من اجل تأكيد ذاتها كندٍّ مكافئ له في قيمتها الوجودية.

يبدأ النص بدعوة للبحث عن مفقود :   

(( تعال نبحث عن حبنا معا))

فهي تخاطب من احبت  بما يُشعر أنها تأمره من خلال استخدامها المقصود اسم فعل امر ( تعال )في خطابها اياه ، وهذا فيلولوجياً ( اي وفق ما يقول به / فقه اللغة ) يعني ضمنياً اتهامها اياه بذلك الفقد ، فلو كانت هي من اقترفت ذلك الإثم ، لخاطبته بتوسُّلٍ وخضوع.    

والاشارة ( معاً )بما تعنيه من تشاركية جاءت رغبة منها بتجاوزها مرحلة 

معاتبته ، ودعوته للسعي معها لإنقاذ حبهما من الضياع ، اي

 انها لما تزل تراهن على بقايا وفاء ربما مابرح يحمله نحوها ، او شئٍ من حرص على ديمومة حبه اياها  لم يغادر اعماق وجدانه بعدُ ، 

والشاعرة هنا تؤكد مدى تشبثها بحبها اياه حتى الرمق الاخير

 من علاقتهما ، وهي بهذا تقدم اول دليل على ايمانها بقدسية تلك العلاقة،ولكن ماذا قدم الحبيب في المقابل ؟ هذا ماستكشفه 

السيرورة الحدثية في مقاطع النص المتتالية: 

- (( فأنا أضعتك في غياهب العشق 

وأنت تركتني على قمم الغياب أحترق)) 

 شدة العتمة التي احاطت بحبها طوت الحبيب وغيّبته / ضيَّعته

لكن من اوجد تلك العتمة؟ ، فلا يعقل ان تحيط عاشقة ما عشقها

بما يحجب محبوبها عنها، ثم ماكنه تلك العتمة ؟ 

العتمة = حاجز حسي غير ملموس  يحجب الرؤية بالبصر / يُغيِّبها

وباستحضار اقرب الاشارات دلالة على هذا المعنى نجد :

الشك = حاجز حسي من ظنون غير ملموس يحجب الرؤية بالبصيرة / يغيبها 

اذا تكون تأويلية المقطع السابق : عتمة الشك التي احاطت بعشقها

غيبت / اضاعت معشوقها؟ ولكن كيف تولد الشك ؟ 

يرد عن هذا الشطر الثاني من المقطع:

 ( وانت تركتني )

الترك يعني الهجران ،وذلك بالاحالة على قولها لاحقا (( ولايداك الممرغتان بالهجر ))     

وهو هجران معلن عرف به الجميع ممن حولها:

( على قمم الغياب احترق )

تركها وغاب غياباً عرف به القاصي والداني ،فالقمم يمكن

 مشاهدتها بوضوح  من قبل كل ناظر اليها لعلو ارتفاعها

وظلت لطول امد ذاك الغياب تحترق ارتقابالعودتهً وحنينا اليه.ً

اذاً هجران /غياب المحبوب الطويل عنها ( بدلالة احترق )بلا 

مبرر بذر بذرة الشك في روعها وتتوالى الشواهد على شدة 

حرصها على ما آمنت به من حبها اياه

واصراره على الهجران والتخلي عن عهوده بالوفاء لها: 

(( كيف لحبك أن ينسيني ماالحب ))

اي حب هذا الذي يمحو وجوده من وجدان الحبيب ؟

ثم ما الذي جناه من هجرانه اياها:

((مشرد النبض بدوني

بلاصوت  بلاذكريات)) 

وما اسرع نسيان وعود عشقه اياها : 

((أنسيت أنك أهديتني إياهافي ليلة عناق

مازلت بها أتنفس وأشهق ))

وهي التي ارادت ان تنسيه جذور ذكوريته لتكون له انتماءً:

((أنا اسم قبيلتك ))

وتحل يقينا في روعه : 

(( ووجهة قبلتك)) 

لكنه بلا عهد :

(( كلما أوصدت عليك باب القلب 

من بين أصابعي تنسرق ))

يأبى الوفاء الا لذكوريته :

((هل وقع نبضك على حب سواي 

هل غازلتك نساء غيري ))

حرف الاستفهام هنا خرج عن حقيقته الى دلالة التحقق

ليفيد معنى ( قد )، فهي سبق تأكدها من كذبه وعدم وفائه: 

(( ياويلي 

وأنت من حلف الآيامن 

أنا منك وإليك 

أنتِ الدم والشريان 

ولعينيك الروح تنعتق ))

لذا جاء قرارها حاسماً :

(( عد من حيث أتيت أيها الحب))

فهو وفي لازدواجية الذات الجمعية : 

(( فنحن من يلون المواثيق نهارا

وتحت جنح الليل ..نلعنها ونمزق ))

وافتضاح حقيقته كشف لاصدقية عواطفه كما في هذه المقاطع : 

(( في الماضي كان حبك 

في كل الفصول على خدي يزهر 

صار كحد السيف 

إن أقبلت تمايل متمردا حتى كدت منه أتمزق

 ماعادت عيناك معبدي 

ولايداك الممرغتان بالهجر

وسادة غدي 

حتى الكلمات على شفتي تيتمت 

صارت تترنح وتتبعثر ))

وراحت تؤكد قرارها الحاسم بخطابها اياه هذه المرة :

(( عد من حيث جئت ايهاالحبيب ))

وهاي هي تعلنها صريحة ان الذكورة مردهاالى تخلف امة تكمم

نبض العشاق :

(( فبلادك بصمت عشاقها تغرق))

وتختم باستدعائها عتبة العنوان للتأكيد على قدسية الحب

وما يعنيه من عطاء وتضحية لا محض اشباع حاجة :

(( الحب شريعة 

من (يصرع في الهوى) عن محبوبه 

عن خله عن روحه لايفترق ))

الشاعرة تعلن انتصارها لذاتها الانسانية ورفض

تبعيتها لحبيب كل مايعرفه عن الحب انه(السيد الذكر )

.......  ............

بقلم الطبيبة الاديبة  ليلى الصيني


.......في 26 / 6  / 2019 ......

هناك تعليق واحد:

  1. كلي شكر وامتنان للدكتورة ليلى الصيني على الإضاءة الرائعة محبتي

    ردحذف