_ ذاكرةٌ مُنطفئة ! _________ حسين ابو الهيجاء
* من سلسلة " سيدة النور "
… . و الذاكرةُ مُنطفئةٌ تماماً !!
في منطقةٍ ما من عتمةِ الذاكرةِ ..، كان ينبثقُ فيضُ نورٍ ، و يطغى على العتمةِ المُزمنة ِ، في تلافيف العمرِ المهدورِ كزَبَدِ البحر… !
… .... ليلةٌ كانونيةٌ باردة ..
كنتُ أجلسُ إلى جِوار النافذةِ ، التي كانت تُحاربُ على جبهتَينِ مُتعاكستين .. ، و تُواجهُ عدوين متناقضين تماماً .. ، فكانت تتصدى لرشقات حبّات البَرَدِ المسعورةِ ، من الخارج ،، و لِسُعارِ جمَراتِ المَوقدِ من الداخل ..، فيكتسي زُجاجها بضبابٍ رماديٍّ ٍّ يُشبهُ شالَ جَدّتي الخريفيّ ..، يشبه الدُخانَ الكثيف ، الذي يسكُن ُقصباتي الهوائية .. !
و الذاكرةُ مُنطفئةٌ ، إلاّ من نقطةِ ضوءٍ غامرٍ !!
و كنتُ اُلصِقُ وجهي إلى حرارةِ زُجاج النافذة. .. إلى برودتِه .. إلى اشتعالِهِ .. إلى دغدغةِ ضبابهِ
.. و أفرُكُ أنفي بانزلاقه السَلِس .. !
كنتُ أُخربشُ بعثرات العمرِ المُتعثّرِ ، على الضباب ،
بأناملي المُتيبّسة
… و العُمرُ كان ضباباً ، .. كان منتشراً .. مسافراً بلا بوصلةٍ و لا هدف ،، و معلقاً على الهواء .. !
كانتْ طفولتي لاجئة .. ، و هي لم تكن بعد ..
و فُتوّتي كانتْ طائشة .. ، و هي لم تكن ..
و لم تكن الذاكرةُ تعترفُ ، إلاّ بالتوثيق الصِبياني .. ،، لم تكن اكتشفَتْ الوجدانيات بعد .. !
كان شبابي مُغامِراً .. مُقامِراً .. عبَثِياً ..
و هي لم تكن بعد .. لم تكن بعد !
كنتُ هناك .. على شاطيء البحر
عبَثاً أعُدُّ الموجات على الشاطيء .. !
و كنتُ في الثلاثين ..، عندما قابلتُ الشفتين للمرة الأولى ..
و للمرة الأولى .. ، كنتُ أكتشفُ تتابع الموجات .. !
كل الخِدَع البصرية ، التي حاولتُها ، لم تنجح في فصلِ تتابُع الموجات الهادرة ..
لم تُفلِح في إسقاط شفَقَين خلفَ الاُفُق .. !
لم تُقنعني ، بان ما أرى من شفتين ، ما هما إلاّ جمرتان تتوهّجان في الإحتضان .. !
و كنتُ أكتشفُ الوجدانيات للمرةِ الاولى ،
و للمرة الأولى .. عرفتُ أن الحب يأتي فجأةً ..،
يأتي مرة واحدة ، و دفعة واحدة ،
و يزرعُ نبضَهُ دون استئذان .. !
و كنتُ اُخربِشُ بعثرات العمرِ على الضَباب .. !
و الذاكرةُ مُعتمةٌ ، إلاّ من نقطةِ ضوءٍ ، و ثّقَتها الذاكرةُ في الثلاثين .. !
.. كانت هي
و هي كانت المطر على جفافي
و هي برد كانون
و هي اشتعالُ الموقدِ ، و توهّجُ جمَراتِه
و هي زجاج نافذتي و ضبابه الناعم
و أنا أُلصِقُ وجهي بالزجاج ، .. أتنفسُ ضبابَهُ .. !
و الضوءُ ينبثقُ من نقطةٍ ما ،
في مكانٍ ما ..
من انطقاء الذاكرة .. !!
///
___________________ حسين ابوالهيجاء __
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق