عرٍّافة...
قصة قصيرة ..
جلست قبالتها بوجهٍ يعتصره الألم.. قلبت فنجانها بعد أن رجّت رواسب قهوتها بداخله وهي تتمتم بأمنياتها المحنّطة في رمسِ روحها المكدّرة... تركته جانبا كي تجفّ جدرانه الداخلية... أخذت تراقب وجهَ عرّافتها ذا الحاحبين المقطبين...
لاحظت نضَارته المدفونة في أخاديد مظلمة.. وثغرها الذي ترهّلت شفاهُه وحاصرته التجاعيد في حضرة تقادم السنين.. وتلك الأوشام الداكنة على ذقنها التي تسرد حماقة شعوب اندثرت ولم تندثر تعاليمها الوثنية ... أمسكت العرافة الفنجان بدهاء المتمرسين... استحضرت رواياتها النتنة من قاع نفسها التي امتهنت التدليس.. والتي ألقتها على مسامع مئات السيدات قبلها... وبدأت تقصّ باسترسال..
- ستأتيك بشارة خير بعد إشارتين..
- لديك طريق طويل .. لكنه مسدود في نهايته..
- هناك أفعى تحاول دس سمها في لب سكونك..
- يوجد نهر رقراق يمر من امام منزلكم..
مجّت لعابها وهرشت فروة رأسها الأشيب على سبيل المصداقية..وتابعت بثقة...
- هناك حصانٌ أبيضٌ يركبه فارسٌ مغوار.. سيكون فارسَ أحلامك الذي تنتظرين...
كانت ملامح الفتاة تتأرجح بين الانقباض والانفراج...
ونبضات قلبها تهرول كوقع اقدام الجياد على أرض صلبة..
طلبت العرّافة منها أن تطبع بصمة إبهامها في قعر الفنجان..
ازداد حاجباها تقطيبًا حين حاولت قراءة نقوش البن التي تركتها بصمةُ الفتاة في القعر المبهم..
تنفّست بعمق قائلة وهي تنهي الرواية البائسة :
- لكن فارسك لن يصلَ إلا محمولا على الأكتاف...
رمقتها الفتاة بحنق شديد.. داهمتها رغبة كبيرة بالصراخ..
سوّلت لها نفسها أن تكسر الفنجان فوق عظام جمجمتها الرعناء..
رنّ هاتفها النقال رنينا مجلجلا قطع عليها شهية القتل العمد..
أخرجته من حقيبة يدها بسرعة..
جاءها صوت أختها الصغيرة..
- أسرعي إلى المنزل ياحبيبتي..
لقد جاءت والدة الشاب الذي كنت تحلمين به منذ زمن لتخطبك لإبنها..
شهقت الفتاة بسعادة ..
وخرجت مسرعة وهي تتمتم في وجه مشعوذتها الحمقاء:
كذب المنجّمون ولو صدقوا...
فادية حسون .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق