أكياس معتّمة
هكذا كان يؤوب إلى البيت من ساحة الغضب كلّ مساء...يدلف محمّلا بكيس من البلاستيك الأسود. تستقبله زوجته بفستانها الملطّخ ببقع مختلفة الألوان. ينظر إليها ويعجز أن يراها...بينهما مدن الخواء امتدّت كالمقابر..بينهما ألف عزاء وعزاء صامت ...يجلس قبالتها يلوّك رغيف المرارة و لن يقدر على بلعه إلّا حين يفتح ذاك الكيس بعد حين ...وتنآى هي عنه بكأس تمتلئ بسعير الأشلاء المكدسّة في تلك المدينة الموحشة ...
يبقى يجول بناظريه في أرجاء الغرفة ولا هدف له سوى أن ترفع هي المائدة وينتهي إلى وحدته فوق السّطوح....عشر سنوات مضت والحياة تتلطّخ ...عشر سنوات والبقع على فساتين النّساء تكبر وتشتدّ قتامة.. عشر سنوات والأكياس المعتّمة تصعد السّلالم ..عشر سنوات وهي تنتظر الفجر على وقع خطاه ... حتى ينزل..آنذاك يبدأان الحديث ... ذات فجر سألته : كم قنّينة احتسيت؟
أجابها: هل تمكّنت من إسعاف ابن الجيران؟
أجابته بمرارة: لا...لا...لقد كان الموت ككلّ مرّة أسرع ...
بكى وهو يحدّق بحزن في جسدها وبقع قانية تغطّيه...وصوت بأعماقه يصيح: افتح أكياسك المعتّمة ...واهرب إليها...إنها لن تعود...
اقتربت منه وسط حشود من الوجوه النّائمة ...رأت العرق يتصبّب باردا يغرق جسده المثقل بالكدمات ..مسحت جبينه وهمست: نحن عبرنا الحدود بابا ..
شهيق يعلو...صفير كالزّفير...
هناك فتحوا غرفته فوجدوا بأحد الأكياس المعتّمة رغيفا وأساور وشفاه تبتسم
نجلاء عطية من تونس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق