السبت، 22 مايو 2021

سوق الدم...للمبدعة فوزية الكوراني

{ سوق الدم}

عندما أدخلوا المتهمة إلى القفص؛ ضجت قاعة المحكمة بالأصوات، منهم من يشتمها ويرشقها بأقسى العبارات، ومنهم من يجود عليها بعبارات الثناء والشكر على صنعها... وأخذ القاضي يطرق بمطرقته على منضدته: هدوء ياسادة أرجو الهدوء... استمع القاضي إلى الشهود؛ منهم شهود زور تؤدي شهاداتهم بها إلى حبل المشنقة!... ومنهم من تؤدي شهاداتهم إلى البراءة أوتخفيف الحكم... بعد أن استمع القاضي لمحامي الدفاع وهيئة النيابة سأل عن محامي المتهمة: كانت الإجابة أن المتهمة رفضت المحامي التي عينته هيئة المحكمة... بعد التشاور مع المستشارين: طرق القاضي ثلاث طرقات قائلًا: حكمت المحكمة: قبل أن يكمل صاحت المتهمة بأعلى صوتها: -سيدي القاضي أرجوك استمع لقصتي قبل أن تنطق بالحكم وتنفض الجلسة أريدك وكل الحاضرين أن يسمع قصتي ليس لتخفيف الحكم أبدًا؛ بل لأجل أن يتعظ منها كل ذي عقل... نظر إليها القاضي مستغربًا: _ماذا يفيدك هذاإنه ضياع للوقت. _أرجوك سيدي هذه أخر رغبة لي في هذه الحياة. _تفضلي باختصار لوسمحت. _سيدي القاضي: عندما خرجت من تحت الأنقاض أنا وابنتي التي تبلغ من العمر ثمانية أعوام، وجدت زوجي وابني الصغير الذي كان في عامه الثاني أشلاء مبعثرة مشيت مع الركب حيث مشى ممن نجا من القذائف وكل انواع الدمار... كنا نقطن في قرية قريبة من الحدود تجاوزناها واصبحنا في مخيم اللاجئين. الذي يعتبر سجنًا كبيرًا تحكمه عصابات المافيا الداخل فيه مفقود والخارج منه اذا أتاح الله له الخروج مولودٌ... عشت في خيمة صغيرة مع ابنتي التي فقدت إحدى قدميها فاصبحت عاجزة. أنا في الأصل قابلة وممرضة؛ لذلك في المخيم؛ كنت أطبب بعد الجروح وأحقن المرضى وأقوم بتوليد النساء وأخذ أجرًا قليلًا لنقتات به أنا و ابنتي به... لا أختلط بأحد إلا للضرورة، كنت أشاهد أشياء كثيرة لاتمت للإنسانية بصلة يفعلها أفراد العصابة الذي يختص كل واحدًا منهم بمهنة؛ كبيع النساء والأطفال والأعضاء وكان يوجد (بازار) كل شهر يأتي رجل ينادونه الريس ينزل من سيارته الفارهة ومعه بعض رجال من كافة الجنسيات! والكل يعرض بضاعته: منهم بناته للزواج؛ ممكن من رجل بعمر الجد يدفع ثمنها ليقضي معها كم شهر ثم يردها ذليلة إلى أهلها... وتكون هذه أخف وطئًا ممن يشتريها بإسم الزواج ثم يبيعها كل يوم لأحد! ومنهم من يشتري الأطفال لتوريدهم للخارج إما لتجارة أعضاءهم وإما عبيد لأصحاب الشذوذ الدنيئين كنت في هذا اليوم امكث في خيمتي ولااخرج منها ومعي ابنتي التي كنت لا ادعها تخرج من الخيمة ولاتختلط مع الأولاد... إلى أن جاء ذاك اليوم المشؤم ( البازار) الشهري جاء الريس ومعه كالعادة حثالة البشر كنت ولسوء حظي أقوم بتوليد إحدى النساء وابنتي في الخيمة وإذ بالسمسمار يدخل خيمتي ويحمل ابنتي ليعرضها مع الأولاد! ويتم بيعها؛ وانا منهمكة بالولادة؛ وعلى صراخها وعويلها وهي تناديني هرولت حافية لأجدها تضرب على زجاج السيارة وهي تمشي مسرعة ركضت وركضت دون جدوى عدت أقبل أرجل السمسار وأفراد عصابته على أن يردوا لي ابنتي وهم لايأبهون لتوسلاتي وقذفوا بوجهي ببعض أوراق مالية وهم يرددون احمدي الله على أنه يوجد من اشتراها وهي عاجزة! التف حولي بعض النساء المقهورات اللاتي بيعت أولادهن بغير رضاهن يحاولن تهدئتي وإن الأمر خرج وأن أدعو لابنتي أن يرأف بها من اشتراها!... كففت دموعي متظاهرة بالهدوء والقناعة بقدري ورأسي يخطط لألف انتقام... بدأت كل ليلة اتجول في المخيم واتلصص على أعضاء العصابة واستفرد بكل واحد لوحده أغريه بنفسي وعندما يأتي خيمتي وبعد أن يبدأ بخلع ملابسه؛ يكون الحبل يلف حول عنقه واضع في مخيلتي صورة ابنتي كيف يعذبها من اشتراها فتأتيني قوة عشرة رجال أشداء وبعدها أقوم بجره إلى مكان بعيد عن المنازل وريثما يكتشفون الجثة تكون الضباع نهشتها وغيرت ملامحها ولأن المخيم يحكمه قانون الغابة تضيع الحقائق... وهكذا إلى أن قتلت أربعة منهم وعاهدت نفسي أن يكون الخامس الريس! عندما جاء يوم (البازار ) كالعادة كان البيع والشراء لكل الأصناف البشرية!... هجمت على الريس اتوسل له أن يأخذني لعند ابنتي لكن بلهجة فيها بعض الغنج الذي يفهمه الرجال أمثاله! وعندما وقع بالفخ همس في أذني انتظريني ليلًا سآتي لآخذك إليها. عند منتصف الليل جاء متخفيًا إلى خيمتي ومعه بعض الطعام والشراب على أمل أن يقضي ليلة حمراء عندي! نعم كانت ليلة حمراء على طريقتي؛ قبل أن يلمس شعره مني كان الحبل يطوق عنقه ولأنه ضخم استعنت بسكين حادة جعلته يسبح في دماءه وخرجت إلى خارج الخيمة ازغرد زغاريد الفرح والألم... سيدي القاضي هذه قصتي سردتها لكي تعلموا أن هناك في اغلب المخيمات آلاف النساء مثلي وآلاف العصابات مثل عصابة مخيمي...
وكان آخر كلماتها الآية الكريمة أعوذ بالله العظيم من الشيطان الرجيم:
(فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ ۖ إِنَّمَا تَقْضِي هَٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا)

فوزيةالكوراني/ سوريا 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق