لم تكن فاطمة سوى الفتاة التي وجدت نفسها بين تسعة إخوة
بجمال وجهها الاخاذ وضفائرها المُسرَحة بكل أناقة بفضل أختها الكبرى لتحمل حقيبة مدرستها وتدس في جيبها مصروفها اليومي الذي خصصه والدها الطيب لها
صاحب الإبتسامة الدائمة والوجه البشوش والصوت المنخفض رغم توجيهاته الدائمة والمتكررة لأولاده العشرة من أجل مستقبلهم وهو الرؤوف الحليم الحكيم المَرِح والذي يؤمن لقمة عيش أسرته مما يدُّر عليه عمله من تجارته.
وكانت فاطمة الفراشة الأقرب إلى قلبه رغم حِرصه الشديد على إظهار محبته للجميع بالتساوي كأب مثالي
كيف لا وهي المميزة في التحصيل العلمي وتحتل المرتبة الأولى بين زميلاتها دائما
هدفها. أفضل الكليات العلمية والوالد وعد بتحقيق حلمها
مهما كلف ذلك
سنوات تتعاقب والتفوق حليفها
والفرحة عامرة
بفضل جهودها المتواصلة ومثابرتها وحبها لحلمها المنشود
لكن أخاها الأكبر الذي حمل فكراً متسلطاً كان دائما يحاول أن يعرقل خط مسيرها العلمي
فالمرأة برأييه العفن
للمنزل فقط. وهذا ما ولَّد خلافاً دائماً بينه وبين فاطمة
فمالت بحبها الأخوي لمن هو أصغر منه سناً مع بقية إخوتها
وكرست كل حبها للعلم ولوالدها
فلم تسمح للكسل يوماَ أن يتخلل حياتها
أو لأحد أن يهز مكانة أبيها
في فكرها وقلبها حتى لو كان من تفضل عليها بالعلم والمعرفة
فالقداسة له وحده وقلبها وجُّل
الاحترام له. كيف لا؟؟ وهو الذي منحها كل مايتوجب على الأب
بكل محبة وعطف وحنان.
زينت فاطمة حياتها بممارسة الألعاب الرياضية في أوقات الفراغ وتميزت بها
لكن الأقدار ليست ملكنا
والسعادة يمكن أن لاتكتمل
كما حدث مع فاطمة
عندما عادت يوما من مدرستها
الثانوية بذاك اليوم الحالك
المكفهر لتجد أن الستائر الزرق
قد انسدلت على نوافذ حياتها
وأظلمت الروح وتقطع القلب
فخَّرت أرضاً
بعد أن أدركت أن حبيب قلبها ومشجعها وسندها صاحب الإبتسامة المشرقة
قد تركها دون رجعة ليلاقي
وجه ربه ذو الجلال
وساد الظلام.
أشهر عدة لم تستطع أن تلتقط
أنفاسها..... أن تنبس بحرف.... أن تجمع فكرة أو تخطو خطوة متزنة
كانت الكبوة أليمة موجعة
لكن الفارسة لم تستسلم
فركبت جواد الإرادة والتصميم
رغم الحواجز المرتفعة التي نصبها أخوها في طريق تحصيلها العلمي
خَسِرت المدرسة بسبب الغياب الطويل
فلجأت للمدرسة الخاصة
تمسكت بالعلم والتحصيل
فزرعها مازال يحتفظ بجذورٍ قوية وأرضها خصبة رغم غياب المشجع الأول ونبع العطاء
بذلت كل جهدها لتفي بوعدها
لأغلى حبٍِ في حياتها
وعدها الذي أعطته بأن تكون
إمرأة فعَّالةً في مجتمعها
وتثبت أن المرأة تمتلك المقدرة
ففازت.
لكن فرحتها لم تكتمل
فالعراقيل كثيرة
وغياب الأب كرس الضغوطات
لكنها نجحت
وتابعت دراستها المتوسطة
بتميز وتفوق لتدخل في معترك
الحياة وتُدير قسماً مهماً في إحدى الدوائر الحكومية.
مكاناً أقل مما يجب
لكنها الأقدار التي وجدت نفسها
محاطة بها مرة أخرى
تساندها العادات والتقاليد
عندما تقدم شاب للزواج منها
طامعاً بدخلها المادي
مستغلاً فكر الأخ الأكبر لها
فكانت صيداً سهلاً له
لم يجمعهما سوى الصنارة
وإيمانها بالله وحكم التقاليد
فكبت من جديد
لكنها نهضت لتلتقط من ثمار الدنيا أجمل شاب فمنحته كل اهتمامها ليحصل على مرتبة مرموقة في مجتمعه مع أخته التي لم تكن أدنى منه علما وأدبا
ومكانة رغم موت الزوج الصياد
دون أن يترك في وجدانها
أي أثر جميل
لكن قطافها أينع ومازالت تمنحها من حلاوة الحياة
مايعوضها عن آلامها
ابراهيم سلمان رستم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق