الرجل المطر
لطالما كانت تربطني علاقة حب خاصة بفصل الخريف، ربما لأن أجواءه المتقلبة ما بين برودة الطقس و تغير ألوان أوراق الشجر تبث بداخلي شعورا بالسعادة بسبب ما تضفيه هذه المشاهد الرقيقة من رومنسية في كل مكان.
دائما أنتظر أن يحل الغروب، هذا المشهد الساحر عندما يودع قرص الشمس كبد السماء كأنه يغوص في أعماق البحر دون الخشية من الغرق.
كم أستمتع بهذه اللحظات و أنا أستمع لأغاني من الزمن الجميل بصوت الأسطورة الراحلة (أم كلثوم ) و هي تغني (أ غدا ألقاك، يا خوف فؤادي من غد)، تأسرني كلمات هذه القصيدة التي تحرك كل ساكن في خافقي، تلمسني بشدة معاني أبياتها، تشعرني بأني على موعد لا بد أن يأتي لألتقي به.
هو حتما سيأتي اليوم، سيظهر كما عودني عند كل مغيب، لكن متى و كيف لا أدري. بات طيفه يلازمني برغم أني لا أعرف اسمه، إلا أنه أصبح جزءا من ساعات أمسيتي الحالمة برفقة كوب قهوتي.
كنت في حالة انسجام تام مع كلمات الأغنية و أنا أجلس على كرسيي الهزاز، سمعت صوت نشاز يصدر فظننت أنه من اسطوانتي التي أنهكها تكرار التشغيل، فأوقفت التسجيل للحظات، لكن الصوت لم يختفي.
سرقت النظر إلى الخارج فوجدت ظرفا ملصقا على زجاج شرفتي و من فعل الهواء كان حفيفه عاليا جدا و مزعجا.
أدركت أن حبيبي مجهول الهوية كان هنا، و ما أن هممت لاستلام الظرف كان ظله يسابق الريح برفقة مظلته الحمراء، لكن رسالته لي كانت أسطوانة جديدة بنسخة معدلة لقصيدة أ غدا ألقاك، و على الظرف كتب بحبره الأحمر سألقاك عند كل غروب حبيبتي، هذا إهداء مني لك، أنا هو حبيبك، أنا الرجل المطر.
إنصاف غسان قرقناوي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق