الرجل المطر (٢٥)
لم يكن بإمكاني أن أتركه راكعا على ركبته طويلا بسبب وضعه الصحي الحساس، كما أن هذا المشهد استوقف العديد من المارة الذين شَدَّهم الفضول لمعرفة رَدِّي على طلبه.
فكًَرتُ لبضعة ثوان قبل أن أعطيه جوابي النهائي.
فهو أيضآ يعجبني ولا يمكنني أن أنكر بأني أحبه، ربما نحن بحاجة لفترة الخطوبة هذه كي نتقرب من بعضنا أكثر.
كرر غيث عليَّ طلبه وأنا واقفة أمامه كالتمثال من وَهٔلِ المفاجأة،
فقلت: نعم أقبل.
كانت لحظة لا توصف، مشاعر متضاربة ما بين فرح ودهشة وخوف من قرار أتمنى أن لا أكون قد استعجلتُ باتخاذه.
لكن تصفيق كفوف المشاة الحار أيضآ كان له صدىً جميلاً أضفى على الموقف نوعاً من البهجة الغير متوقعة.
وفجأة وجدت الخاتم موضوع على إصبعي وكأنه فُصِّلَ خِصِّيصاً لي.
ضمني غيث بقوة وقبل يدي قائلا:
أقسم لك بأن قبولك بالزواج مني هو أسعد أيام حياتي، وأعدك حبيبتي بأن أفعل كل ما بوسعي لإسعادك.
فقلت:
وأنا أتمنى أن أكون سببا لإسعادك.
وقضينا معا أمسية ساحرة فعلآ، كنت في قمة السعادة، كل شيء كان رائعا، الأجواء الخريفية والأمطار التي مشينا تحت رذاذها ونحن نرقص معا رقصة المطر، كنت أشعر بأن العالم كله فارغ من حولي إلا من غيث الذي ملأ كل ما كان ينقصني.
مضى شهر ونحن نتقرب من بعضنا أكثر وأكثر، وكلانا بات لا يستطيع أن يُمضي يوما واحدا دون أن نلتقي.
وبدأ فصل الشتاء الذي لبس حُلَّتَهُ البيضاء وزرع البهجة والنقاء برداءِه الثلجي الساحر.
فاتفقنا أنا وغيث أن نذهب معا لقضاء يوم العطلة في منتجع مشهور بمقهى يُطِلُّ على سفحٍ جبلي، كما أن الكثير من الناس تقصده للاستمتاع بالتزلج على الثلج.
لكن بسبب وضع غيث الصحي لن يكون بإمكاننا مزاولة أي نشاط كهذا وسنكتفي بالاستجمام والمشاهدة من بعيد.
وانطلقنا باكرا في يوم العطلة، كانت المسافة تبعد عن المدينة حوالي الساعة، وطيلة الطريق كنا نستمع لأجمل أغاني فيروز، ونلتقط صورا تذكارية على جنب الطريق.
كان كل شيء يمر بسلام وحب وفرح، إلى أن جاء اتصال على جوال غيث لم أتمكن من معرفة صاحب رقمه.
وفجأة تَبَدَّلَت ملامح وجهه، وبدا عليه الشحوب والقلق، وقبل أن أسأله عن سر تغيره المفاجئ قال لي:
أعتذر حبيبتي لكن لا بد أن نعود إلى المدينة فورا، طرأ أمر عاجل في اسطنبول وعليَّ أن أسافر هذه الليلة.
أرجوك لا تسأليني عن التفاصيل الآن، سأخبرك بها بعد عودتي.
وبقينا في حالة صمت حتى وصلت إلى بيتي وودعني وذهب.
ذهب وتركني مكسورة حتى يعود!!!.
إنصاف غسان قرقناوي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق