الرجل المطر (٣٦)
اتصلت بمدير عملي وأخبرته بأني بحاجة لإجازة سريعة لمدة أسبوع سأضطر خلاله أن أقوم بمهامي الإدارية خارج المكتب لأسباب طارئة.
في بداية الأمر لم يوافق وكان التردد واضحا على نبرة صوته، إلا أني هددته بالاستقالة من وظيفتي إذا رفض طلبي، فوافق على الفور.
اهتمت السيدة إلهام بترتيب أمور غيث وتحضير كل ما سيحتاجه للسفر، وتوجهت أنا على الفور إلى منزلي لتجهيز حقيبة سفري لأعود إلى نقطة اللقاء مع غيث وعائلته في المطار حيث كان أحمد ينتظرنا عند مدرج الطائرة الخاصة به.
كنا في حالة من عدم الارتياح لما يحدث، إلا أننا كنا على يقين بأنه لا مفر من خالد لحماية أرواح الجميع سوى بالذهاب إلى بيروت تماما كما خطط أحمد.
لم تستغرق الرحلة طويلا وخلال أقل من ساعة وصلنا إلى لبنان وانتهينا من الإجراءات الأمنية للخروج، وعند البوابة كانت هناك سيارة خاصة تنتظرنا لتقلنا إلى المنزل الذي يقع في الجبل بعيدا عن ضجيج المدينة وصخبها.
أمسكت بيد غيث ونحن في الطريق وقلت له:
لا تقلق حبيبي، كل شيء سيكون على ما يرام، أعدك بأن ينتهي هذا الكابوس قريبآ جدا.
لكن صوته المرهق من عناء السفر كان واضحا عليه حين قال لي:
شمس، أنا آسف لأني تسببت لك بكل هذه الفوضى في حياتك، لم أتوقع أبدا أن يصل بنا الحال إلى ما نحن عليه الآن، سامحيني حبيبتي.
فقلت له:
هذا قدرنا يا غيث، وهذا ما كتب الله لنا قبل أن نلتقي، فلا يمكننا الاعتراض على مشيئته، ثق بأني سأبقى معك مهما واجهنا من صعاب.
مر الوقت كأنه ساعات قبل أن نصل إلى المنزل الجبلي.
كان الثلج يغطي السهول المحيطة به من كل الجهات، كأنه قطن ناصع البياض يكسو كل المساحات.
مشهد بديع من صنع الخالق يستحق التمعُّن بجماله الأخَّاذ.
كان المنزل جميلا جدا، مصمم على الطراز القديم بلمسة كلاسيكية. كانت مدفئة الحطب مجهزة ومشتعلة وألسنة النار تتسابق داخلها ليتصاعد عبق دخانها ويضفي دفئا على المكان.
وكان أمامها كرسي خشبي هزاز جعلني أشعر بالحنين لمنزلي وجلوسي أمام شرفتي التي شهدت على حكاية حبي أنا وغيث.
أما البيانو الذي كان يزين زاوية البهو الكبير بدا كقطعة أثرية تنتظر من يتقن العزف على مفاتيحه بمقطوعة موسيقية لشوبان أو موتزارد.
كل شيء حولي كان في قمة الروعة والجمال، إلى أن وقعت عيني على ساعة الحائط التي ذكرتني بالوقت الذي سيمضي ونحن نقضي معا لحظات من العمر قد تكون نهايتها ذكرى جميلة وقد تكون بداية لنهاية أليمة.
أمضينا ليلة هادئة لأول مرة بعد معاناة دامت لأيام، إلا أن هذا الهدوء لم يدم طويلا، فاستيقظنا على دوي رصاص كاد يخترق جدار المنزل، فهرعنا جميعآ للبحث عن المصدر، وكانت المفاجأة بانتظارنا في الخارج برفقة خالد وأحمد.
إنصاف غسان قرقناوي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق