في القدس
تَمرُ على مآذنِها
وتصرخِ ملّء مسمعِها
لقد عدنا
وعاد الشوقُ يجمعُنا
تصيحُ بها
يعودُ الصوتُ بصداها
يَفِرُّ الطيرُ بسماها
ولكن لستَ تلقاها
تمر على حجارتِها
وتقطفُ زهرَ فلتِها
وتُذهلُ من حضارتِها
وتفقد منك روعتِها
لأنك لست من فيها
تمر بها
كأنك لم تمرَ بها
ولم تعبرْ شوارعَها
ولم تكسرْ حواجزَها
تمر بها ولست بها
تمر بها وتعرِفُ أنَ غدراً منك يمنعُها يحاصرُها
ويسرِقُ كلَّ عنوانٍ بداخلِها
يطاردُها
ويسرِقُ كنزَ تاريخٍ ويسرِقُها
ويقتلُ حرمةَ الأديانِ يقتُلُها
فلست لها
ولست بها
وقد قُلعت مآذنُها
وقد نُهبت موانِئُها
وصار الليلُ يلعنُ من يدنِّسُها
وصار الصبحُ يشرِقُ من مدامعِها
وصار الأهلُ غيرَ الأهلِ والأبناءُ والأزواجُ والأنسابُ ليست من تناسِبُها
تمر بها
لتعرفَها
فتجهُلها
وتَجهلُ كل من فيها
وتُجهلُ من مبانيها
وتسأل من يناديها
فلست ترى سوى عبريةٍ نكراءَ قد سكنت
قوافيها
ولا تدري إذا كانت بلاداً أنتَ تعنيها
والقيتَ السلامَ على أهاليها
تمر بها
وتعلمُ أنَ من فيها أعاديها
ولكن جرحَ أرواحٍ
فمن للروحِ إذ جُرحت يداويها
وإن الأمَ إن ماتت ذراريها
تموتُ وروحُها فيها
فليست من تناديها
فسلّم عارياً وأمضي
ولا تسأل إذا حقاً مررت بها
لأنكَ لست تحميها
تكلمُ غيمةً ظلت على محرابِ أقصانا
وتسألُها
إذا جاءت لسقيانا
وتعرِفُها إذا ما دمعُها هانا
وتمسحُ دمعَها قهراً
وتتركُها لمسعاها
فلا تدري إذا كانت
تواسي من مدامِعِها
وتذخرُ من صواعِقِها
وتَصرُخُ ملئ أقصاها
أما عادت إلى الإيامِ مجراها
وما عادت لك الاحلامُ تعصفُ في حجارتِها
وتنقشُ في صلابتِها
طفولةَ ليلكَ المنسيِّ في
وفي أيامِكَ الصعبة
بلا ذكرى بلا بشرى
تعاتِبُها وتحفلُ إن مررت بها
تعاتِبُها ولم تعبر لعودَتِها تعاتِبُها
فلا عتبٌ عليكَ بها
فأنَ القدسَ أرضُ اللهِ معراجٌ يرافقُ زائراً نادىَ سماءاً من أعاليها
فهذي بقعةٌ للهِ قبلتُها لها وصلٌ بربِ الكونِ إذ ما كنتَ تعلمُها
فهذي القدسُ مر فيها ولست بها إذا ما كنتَ تحمِلُ من مآسيِها
وسل بلقيسَ إذ ما كنتَ تعرِفُها
سليمان بيطر جاء ينهيها
فهل تنهى عبادتها لغير الله تنهاها
فردت حين وافاها جنود لم تُرى منها
وعرش كان في يدها
تنكر عند رؤيتها
وقالت حين أدركها نبي الله أحسانا
أيا قومي أتانا الحق يلقانا
سليمان أشاد الصرح إيمانا
بجند ما لها لينا
فليس لنا سوى رحلٍ إلى الاقصى ليلقانا
سليمان أشاد القدس بالإيمان يبنيها
وألقاها إلى عيسى
تولى الارض إحسانا
وردّ بها
لمحمود له حق بها آنا
فلا أحد سيحكمها
سواه إذا
إذا ما الفتح وافاها
ودين الله حسّنها واحياها
وعاد الرشد يعصف في حناياها
فهذي القدس قد حكمت بلادا لست تنساها
ومر فيها فليست من ستعرفها
إذا ماعاد للأقصى ذراريها
فمن للقدس يمسح من مآسيها
ويفتح باب مسجدها
ويرفع صوت مأذنة
ينادي أمة وسطا
تمر على مدارجها
تعانقها حجارتُها
يقيم صلاتَها الوسطى
يأمُّ بهم يصلّيها
يسلم حين ينهيها
ينادي القدس قد عدنا
وتحفل في ذراريها
وترجع بسمة الأيام تحييها
فمن للقدس قد سكنت
غزاة في أراضيها
محمد رأفت القادري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق