الاثنين، 23 مارس 2020

ق. ق. بعنوان الكورونا و ذكريات أم خليل....للشاعر المبدع د. عز الدين حسين أبو صفية

قصة قصيرة ...

الكورونا وذكريات أم خليل :::

تسكن أم خليل العجوز التسعينية في نهاية ذاك الزقاق الممتد على طول مخيم اللاجئين ويتوسط المخيم وكانت تتمتع بصحة تمكنها من التنقل داخل المخيم يسندها عكازها القديم الذي ورثته والدتها عن جدتها وورثته هي عنها، فكانت تعتبره سندها بعد فراق كل أبنائها وبناتها واحبتها لها بعد أن غيبهم الموت جميعاً.
كانت أم خليل تتمتع بذاكرة جيدة وكثيراً ما كانت تُسهب بالحديث عن ذكرياتها لمواقف كثيرة ومختلفة لا زالت تملأ ذاكرتها التي تنتعش عند زيارة بعضاً من جارتها اللاتي يسكن بالقرب من سقيفتها المبنية من الطوب المصنع من الطين الأحمر الممزوج بالقش ، فتحدثهم عن الحياة قديماً وعن العادات و تقاليد الزواج و الأفراح والأحزان، وتحدثهم عن الأصناف المختلفة من الطعام و الأكل الذي كانوا يطبخونه في قدور فخارية، كانت تتحدث عن كل شيء فهداها تذكرها للماضي أن حدثتهم عما كان جدها الذي كان ضابطاً مع الجيش العثماني التركي ( الجندرمة ) فكان يخبرها عن زمن المجاعة التي مرت على كثير من البلدان التي كان يحكمها العثمانيون وكيف كان الناس يومها يجمعون روث البنغال التي يمتطيها ضباط الجيش العثماني ثم يقوموا بغسلها لجمع حبات الشعير التي لم تهضمها أمعاء البغال ليصنعوا منها خبزاً يسكتوا به جوع أطفالهم.
كُنَ جاراتها يستمعن بشغفٍ لحديث وقصص أم خليل فتسألها جارتها نفيسة عما إذا كانت تتذكر السنة التي فيها غزى مرض الكوليرا الكثير من البلدان.
تنهدت أم خليل وهي تتألم وتقول آه يا وجع قلبي، كانت أيام سوداء أسود من قرن الخروب لا أحد بيعرف شو اللي صاير وشو اللي حيصير للناس، فالشوارع ملاينة بالموتى من الأطفال والنساء والرجال ولا أحد يجرؤ الاقتراب منهم أو حتى دفنهم خوفاً من انتقال المرض له.
تململت نفيسة هي وأم بطاح وأم خميس الشبراوي وهن في السبعينات من العمر تقريبا وهممن بالوقوف للعودة لمنازلهن، وأثناء وداعهن لأم خليل، وإذ بصوت حركة غير عادية في الزقاق وجلبة من الناس يتحدثون و يتناقشون ويتجادلون عن ڨيروس الكورونا، وأثناء خروج جارات أم خليل من سقيفتها وقفت معهن عند باب السقيفة وجذب انتباههن الحديث والجدل القائم بين المارة وهم يتناقلون الأخبار عن أعداد المصابين والموت بسبب فيروس الكورونا ، وعن انتشاره الذي غطى معظم الدول في العالم وأصاب الكثيرين وأصبح يهدد حياة الآلاف من الناس.
صرخت أم خليل وهي تقول يا وَرَدي علينا ؛ والله هذا مثل أيام الكوليرا ؛؛ والله كأنه انتقام رباني من ظلمنا لبعضنا ؛؛ ربنا يسترنا ويسلمنا جميعاً.
مع السلامة يا جاراتي يا حبيباتي ؛ رجائي بلا منها هذه الزيارات ، واللي بعيش بشوف صاحبه ، حسبي الله ونعم الوكيل على الكورونا وعلى من كان سببها ....
مع ألف سلامة من الله.

د. عز الدين حسين أبو صفية،،،

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق