لستُ مجنونة
نفسيتي المهترئة لهجرك أوهمتني اليوم أنني مجنونة بدون أوراق رسمية. لكن جنوني مسوّغ مهضوم. فأنت من قال لي يوما أن جنون الحب جميل صادق لا يكذب. ولا أراني إلا صادقة في خيالاتي المجنونة التي لا أجرؤ على كشفها لأحد إلا لو عدت لي، أكشفها لك وأتدارسها معك لعل بها شيء من عقل أو قد تحضنها الحياة فيصدقها الواقع لتصير حقيقة.
من عمق إحساسي بالوجود وبك استوطن بروحي طفلٌ. طفلٌ يشبهك تماما، ويشبهني. جمعت حرفين من اسمك بآخرين من اسمي وابتكرت له اسما تفرد به. لا علم لك كم جننت به حتى صار طفلي، طفلنا، حقيقة. فضلا لا يجادلني بأمره أحد. كم حضنته تصورا حتى تشابه بالواقع فلم يعد لي بد من العيش بدونه. أضمه فيلتصق بصدري ويمنحني دفءا وحياة، وأكلمه فيسمعني ويفهمني ويسري تفاعله في شراييني. إنه الوحيد الذي يفهمني بعدك، بعد تخليك عن الإصغاء لي وفهمي. ولقد صار يعرفك ويحبك لكثر ما أحدثه عنك... وتعاظم حبه فتطور إلى اشتياق. .
لقد جن طفلي بك وجننت بكما ولم يجن بي أحد، لكنني لست مجنونة! ليس مجنونا من يتخيل، وابننا أجمل ما عرفت من خيال منذ عرفتك وعرفتني وتركتني لأنني... لست عقيمة وخيالي خِصبُ يحبل بروائع الأطفال و الأفكار! لست عاقرا وخيالي حبل بطفل جميل يَندُر أن تنجب مثله بطون النساء...
لكن قسما بربكما وربي لست مجنونة.
نعيش ثلاثتنا في خلوة بالقمر، نهِبُ دروسا للبشر في معنى الحب والحياة. صدّق. فكلامي لا ينبع من الجزء المعطوب بعقلي. فقط لو تعود ونعيش ثلاثتنا معا ستمتد بنا جذور الحياة. سنعمّر طويلا..
أرأيت بربك كيف غير طفلي حياتي؟
هل أحكي لك ما حصل اليوم؟ خرجت كعادتي أتمشى، وكان على مشواري محل لبيع ملابس الأطفال. لا إراديا دخلته، فالملابس جميلة تغري أيّ أم بالدخول. قلبت الأثواب واحدا واحدا أتأمل كل قطعة جيدا. أبعدها ثم أدنيها من ناظري وأقرأ بدقة ما مكتوب عليها، أرتبها وأعيدها مكانها بعناية. وكلما أبهرتني قطعة تمنيت اقتناءها لطفلي. وكم تمنيت لو كنت معي لتبدي رأيك فيما رأيت!
الحقيقة أنها لم تكن المرة الأولى التي أدخل فيها المحل. فكل مرة تغريني معروضات الواجهة أرغب برؤية الجديد من الملابس الملائكية. وأظن أن التاجر صار يعرفني. يعرف مسبقا أنني لن أشتري شيئا بل أشتري بخيالي. وربما يعرف أيضا حقيقة طفلي... مع ذلك يبتسم لي عند خروجي ويحني لي هامته.
بشرفك ألست مجنونة؟
زهرة يبرم/ الجزائر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق