(( طريق الحياة ))
كمحارةً في البحر أغني
غادرت أصدافي للتو
وخرجت أتنفس هواء الحرية
هناك بين سكون الموج وجزر المرجان
تختبئ أحزاني
أعشابٌ نمت في شقوق الجدران
وبين الصخور تكلست الأحلام
عيونها الدامعة تبلورت بالملح
أمام ضوء القناديل وانفجار الألغام
حقولٌ من الأسلاك الشائكة
و زنزانةً باردةً تنتظرني
فوق التراب كثيٌر من المقابر
ورائحة الصنوبر
كنكهة البارود تجري في أعماقي
في خيالي أناسٌ طيبون
كالطحلب يقتاتون الأماني
و تماثيلٌ من الحجرٍ
تؤمن بالذبح وبعدالة المذابح
الناس الرائعون يحلمون
برغيف خبزٍ عند منحدر الشمس
يحلمون بالسفر وبالغروب
وبالشفق الوردي
يحلمون بالعدالة مثل القديسين والرهبان
مثل حواري المسيح تجندوا بالصلبان
أمشي وحيداً بين انكساراتي
وبين هزائمي وانتصاراتي
كسمكةٍ تعشق الإبحار
كغزالٍ شاردٍ يجوب الغابات
حريتي وطني ، كتابي
حبيبتي ، أصدقائي الطيبين
حريتي حذائي وقدمي
وطريقي الطويل الذي عليه أمشي
من حقي أن أرقص كفراشةٍ
وأقُبلُ حبيبتي بجنون
بعيداً عن الصخب والضوضاء
من حقي أن أحتج وأصرخ
وأهدر كالموج
،أضحك وأبكي وأتالم
وأناشد العصافير المحلقة في السماء
وألقي عليها تحية الوداع
وهي راحلةً نحو الغروب
تعلمت من العواصف والرعود
أن أكونَ زوبعةً وطائراً جميل
و أن أكون نخلةً في صحراء
تعيش جفاف العطش و تحيا بسلام
تعلمت أن أكون سنبلةً تغرد
وسنديانةً شامخةً على جدول الماء
تعلمت أن أكون كلمةً ووردةً بين العشاق
متأخراً مثل كل الأطفال تحسست جسدي
وتعرفت على تفاصيلي
على أصابع يدي وقدمي و فمي و عيوني
أدركت أني الإنسان...
وعرفت الفرق بين الإنسان والحيوان
أعلنت فطامي عن ثدي أمي للتو
وتركت عادة الحبو والركوع
والجثو على الركاب
صرت أمشي منتصباً كالأشجار
أتوكأ على عكازي وأستند على الجدار
صرت أرى الأشياء بعيني رأسي وعقلي
أرى الأطفال والعمال والفلاحين
والجياع والسكر والطحين والقمح
أدركت طريقي على هذه الأرض
و خرجت مع الأحياء
من النفق المظلم ومن كهف الأموات
بحثاً عن الحياة
كنت أسير كسولاً و ببطءٍ شديد
مثل سلحفاة ٍ في تيه الصحراء
تعلمت متأخراً أن أقفز برشاقة الأرنب
وبخفة الغزال فوق الأرض الوعرة
ملايين الحروب والمجازر لم تمنع الإنسان
من غريزة البقاء وعشق الحياة
ومن الصراخ والثورة ضد الجوع
هذه الصراعات لم توقف النهر الهدار
و تمنعه من الجريان
ولم تمنع السيل الجارف أن يكفكف نفسه عند الانحدار
كل الدمار والخراب لم يحرم الوردة من بوح العطر
من حق الوردة أن تتفتح
ومن حق المطر أن يهطل
ومن حقي ..
أن أمشي في طريق الكفاح
متألقاً كضوء النجوم
حراً كحصانٍ جامح ٍ
في البراري وتخوم الأرض
من حقي ,,
وحين أستريح في غرفتي وحيداً بعد طول العناء
سأكون سعيداً حراً عاشقاً
أنظر من نافذة قلبي
إلى كل العابرين باكراً على خطى الصباح.
الشاعر غسان أبو شقير/ سورية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق