الجمعة، 17 أغسطس 2018

غفلة العمر......للمبدعة زهرة يبرم

غفلة العمر

قصة قصيرة

بقلم الكاتبة الجزائرية زهرة يبرم


وقفتُ أمام المرآة أهيّئ نفسي لحضور حفل خطوبة إحدى الصديقات، تملؤني الغبطة بعودتي إلى الحياة الإجتماعية وقد كنت لأشهر طويلة أعتذر عن حضور المناسبات بسبب وضع صحي مؤقت انتهى بتتويجي بلقب تتمناه كل امرأة، مقرونا بأكبر مسؤولية في الحياة.  فقد صرت أمّا لأجمل طفلة في الوجود.

عُدتُ إلى الحياة راغبة في أن أعبّ منها وألا أفرط في أية مناسبة تجمعني بصحبي وأهلي، وتلك كانت أول لمّة أحضرها بعد غياب. لكن الأمومة غيرت حياتي وصارت الرضيعة مكبحا لانطلاقي. 

احترتُ وزوجي، الملزم بواجب الحضور أيضا، لمن نتعهد برعاية الصغيرة أثناء غيابنا؟

 ولم تطل حيرتنا حتى اهتدينا لفكرة اصطحابها معنا، واتفقنا على أن تكون رعايتها مناصفة بيننا. ورغم حرارة الجو الموسمية المرتفعة جدا إلا أن قاعة الأفراح شاسعة ومكيفة ولا اكتظاظ فيها، لأن عدد المدعوين يكون محدودا في هكذا مناسبة.  

حُلّت المشكلة ومُنِحتُ الطمأنينة ببقاء صغيرتنا تحت أعيننا، حيث يتسنى لنا حضور الحفل حتى النهاية وإشباع شوقي لمجموعة الصديقات دون أي قلق ينتابني فيدفعني للإسراع بالعودة.

حرصت على أن تكون أناقتي مميزة، من تسريحة الشعر إلى اختيار الفستان والحذاء فانتقاء قطع الصيغة... ثم جعلت طفلتي  أجمل أميرة... لم أرفع بصري عنها طول الطريق وهي كملاك بمقعدها الخاص المثبت بالمقعد الخلفي. استهوتها لطافة جو السيارة الخاضع للتكييف فاستسلمت لنوم عميق. وكان والدها لا يفتأ يخطف منها نظرة بين الحين والآخر، فأسارع إلى المقود حرصا مني على سلامتنا، فيضحك ويصفني بالمبالغة في الحرص والخوف.

ركن زوجي السيارة أمام القاعة فحياه جمع من الأصحاب فنزل ليسلم عليهم، فاهتبلت الفرصة ونزلت رافعة أطراف ثوبي ودلفت إلى جناح النساء تاركة له مسؤولية الإعتناء بالطفلة في الجزء الأول من الوقت. 

سارعت إلي بعض الصديقات بالأحضان والقبلات، وغمرنني بلطفهن وحفاوتهن وسط صخب الموسيقى والغناء. وسرعان ما قذفنني إلى حلبة الرقص، والعروس تختال كأجمل طاووس... أحطنا العروسة حلقة واندمجنا في جو من البهجة والمرح نسيت معه الدنيا وعشته لنفسي، متناسية واقعي.  

انقضت سويعات الحفل بسرعة. ولكم وددت لو أنني أتحكم في الوقت لمددت فيه كي أستحوذ بشكل أفضل على الفرح المبعثر عبر لحظات الزمن، وأنعم به بصورة تامة. وفي بعض الأحيان كنت أفكر بصغيرتي، وأشعر بالإمتنان لنصفي الرائع الذي أبقاها معه بجناح الرجال واهتم بها كل الوقت. ولما قارب الحفل على النهاية رغبت في أن تكون بحضني التقط معها صورا تذكارية رفقة العروسة والمجموعة. 

هتفت له، وطلبت منه أن يوافيني بها. وياله من توافق غريب، فهو أيضا يريد الآنسة الصغيرة ليظهرها لأصدقائه الذين يطلبون رؤيتها.

"لا تسخر مني. هاتِها"، قلت ضاحكة، فصاح كوحش كاسر "لا تجننيني أليست معك؟"

انقض علي هول كالصاعقة، إنه أمر مخيف. تخلصت من حذائي وهرولت نحو الباب، فوجدته هناك على السلم... أمسك بكتفي ورجني بقسوة مرددا نفس السؤال الذي أدخلني في هاوية يكتنفها الظلام: "أليست معك؟" تماسكت، فهذا ليس وقت التهاوي. جمعت قبضتي وبما بقي بي من قوة كنت أضرب على صدره وأهذي بنفس السؤال: "كيف ليست معك؟" 

وجم برهة وجحظت عيناه كأنما تذكر ماهو أدهى فاستفاق من ذهول. دفعني ووثب ينزل السلالم بخطوات عملاقة، يزأر كأسد جريح: "يا إلاهي... التكييف... قطعت التكييف وأغلقت النوافذ".

لما أفقت من غيبوبتي كان هناك قرب سريري... لم يقل شيئا... ولم أجرؤ على النظر في عينيه... لم يعد هناك شيء نتكلم فيه... انتصر الصمت وقد وقف حاجزا قويا بيننا...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق