الجمعة، 3 يوليو 2020

شاعر للروح والجرح... مقال بقلم المبدع طه هيكل

هذه المقالة  نشرت  لي بقلمي  في مجلة العربي الكويتية  عدد سبتمبر  ١٩٩٨  وموثقة بموقع المجلة على جوجل  وقد مضى عليها  اثنان وعشرون عاما    أعيد  نشرها  للذكرى   
بقلمي 
طه صلاح هيكل 
*************
شاعر للروح والجرح

..رئيس التحرير
فقدت الأمة العربية واحدا من ألمع شعراء النصف الثاني من القرن العشرين وبفقده خلت الساحة الشعرية من الرموز التي تثير حولها الجدل بما تفيض بها قرائحهم. ونزار قباني من الجيل الذي رفض المسلمات وثار على الجمود وحذر مما تعانيه الأمة العربية في الوقت الحاضر.

كان يشعر بنبض الشارع العربي وأعتذر عن استخدام "كان" الماضية لأنه لم ولن يكون ماضيا فهو المضارع والحاضر والمستقبل الذي وضع لافتة على قلب العروبة ترفض المذلة والاستكانة. فرض على نفسه العزلة منذ فقد زوجته في بيروت في عام 1980 ـ في حادث يدل عـلـى الجـبن والنذالة, وما زالت أيدي الغدر ملوثة بالدماء تمسحه في وجوهنا. كانت كلماته كالبركان يشعل في الضمائر بكل ما أوتي من قوة الحمم والنيران, يثور على الأوضاع لا يأبه لعمره حتى لو ضاع. كان ناطقا بلسان كل عربي سرقت منه الأحرف وذابت على شفتيه مفردات الثورة والشجب والاستنكار. مرض القلب كما لم تعل القلوب, وذبلت نضارة وجه عاش ابيا شجاعا يرفض ان يقال كان أبي ولكنه قالها ها أنذا ـ أطلقها صرخة مدوية عنيفة ـ قال: إذا كانت صرختي جارحة ,وأنا أعترف سلفا بأنها كذلك, فلأن الصرخة تكون بحجم الطعنة ولأن النزيف يكون بمساحة الجرح. وسقط القلم ويبس اللسان وتوقفت الكلمات, ورحل نزار بعد أن نظر في المرآة فأنكرته, ونظر من شرفة منزله في مهجره فوجد الوجوه غريبة عنه لايعرف قسماتها. عرك الحياة واختبرته بفقد زوجته وولده وكفى بالحزن سبيلا أن يفقد أعز ما يملك فإذا بالكرامة أيضا تتهدد, ولكن فقدان الكرامة لا يعوض, يحيل صاحبها الى شبح يطل من خلف زجاج نظارة مكسور بعين في محجرها تدور وقلب في جسم مهجور, فلم يتحمل كل هذا الانكسار وودعنا بصاعقة متى يعلنون وفاة العرب, وأقول له لن يعلنوها ولكنهم سيفيقون حتما سيقومون وثبا لنزع الجزء الغريب في الجسم العليل حتي يقضي الله أمرا كان مفعول. فنم هانئا.... لا لن تهنأ ولن تسكن روحك ستظل ترفوف على غرفاتنا بين ستائر نوافذنا تقول هل من بطل يقوم بإكمال قصتي مع الحزن التي لم تكتمل فصولا فهل يوجد من يمضي على الطريق إلى أن يتحقق ذلك سلاماً ووداعاً يانزار.

طه صلاح هيكل
قويسنا ـ مصر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق