الرجل المطر (١٣)
الساعة الآن السابعة و النصف مساء، أشعر بوحدة قاتلة اليوم، كالذي يفتقد شيئا و لا يدري ما هو، ينقصني الشعور بالدفء، أجل، أعتقد بأن هذا ما أنا بحاجة له.
برغم أني اعتدت على رفقة كوب قهوتي و الجلوس خلف نافذتي التي باتت تنتظرني كل يوم في نفس التوقيت، كأنها تخبئ لي سرا تود الإفصاح عنه لكن صمتها يغلبها.
ستمضي ساعات ليلي طويلة و باردة، أعلم بأني سأكون وحيدة، قد لا يأتي، و قد يأتي.
أفكاري مشوشة و مشاعري متضاربة، ليتني أعرف عنوانا له، حتى أني ما زلت لا أعرف ما هو اسمه.
مرت دقائق و أنا في حالة تخبط ما بين أفكار تتقاذفني كالأمواج و أنا غارقة في حيرة من أمري، ترى على أي شاطئ سأجد مرساتي؟؟
وما ببن فكرة و أخرى رن هاتفي، لكن جهة الاتصال ظهرت من رقم مجهول، بداية ترددت بالرد، لا أحبذ أن أجيب على مكالمات من أي رقم غير معروف.
لكن ثمة شيء دفعني أن أرد على هذا الاتصال.
قلت: نعم من معي؟؟
جاء الرد غريبا من جهة المتصل، قال أعتذر لإزعاجك سيدتي، لكني مرسال من قبل أحد الأشخاص المقربين منك و هناك طرد باسمك لا بد أن تستلميه بنفسك من مكتب البريد خلال ساعة على الأكثر.
كان بودي أن أوصله إليك شخصيا لكني مضطر للسفر بعد بضع ساعات، أشكر تفهمك و أتمنى لك أمسية سعيدة.
أنهيت المكالمة بعد أن دونت عنوان مكتب البريد.
كان كل شيء مبهما بالنسبة لي.
توجهت نحو العنوان و لا زالت الأسئلة تتصارع داخل رأسي، لكن قطرات المطر التي كانت تنسكب على زجاج سيارتي لتسقط معانقة الأرض خففت حدة توتري، رائحة المطر دائما تدخل الهدوء إلى نفسي.
وصلت إلى العنوان، و أسرعت إلى الداخل و أخبرت المسؤول بأني أتيت لاستلام طرد خاص بي بعد أن تلقيت مكالمة بهذا الخصوص.
تأكد الموظف من هويتي التي تطابقت مع الاسم المكتوب على الطرد، و استلمته.
كان صندوقا خشبيا و من الواضح أنه مصنوع بحرفية و دقة عاليه.
تفاصيله مذهلة و كأنه صنع خصيصا لأجلي.
وصلت إلى بيتي بسرعة البرق، جلست على كرسيي الهزاز و يداي ترتعش، ترى ماذا يخبئ لي القدر اليوم؟
أخيرا فتحت قفل الصندوق بمفتاح خاص كان موضوعا داخل ظرف صغير ملصقا عليه من الخارج.
و كانت المفاجأة، زجاجة من عطري المفضل!!!
ديوان شعر من أروع قصائد الراحل الكبير نزار قباني!!!
و رسالة حب بالحبر الأحمر..
حبيبتي،
أنا مسافر بسبب ظروف العمل، أعلم بأنك تنتظرين طيفي خلف نافذتك، لن أطيل غيابي، سأعود عند أول غروب بعد أسبوع.
أشتاقك جدا، هذه الهدية أرسلتها لك من مكان إقامتي الآن. أتمنى أن أكون قد وفقت في الاختيار.
انتظري طيفي عند كل مغيب.
إمضاء، حبيبك الرجل المطر.
إنصاف غسان قرقناوي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق