السبت، 31 أكتوبر 2020

الناي الحزين... للمبدع محمد عزو حرفوش

الناي الحزين..
حتّى الخامسة فجراً وأنا أطارد أيّ فكرة تليق بأن أنسج منها حبلاً من الكلمات.. يكون أخفّ وطأة وحزّاً من آلاف الحبال التي تُلف حول أعناق أحلامنا وآمالنا البسيطة في العيش الكريم كلّ مطلع نبض.. فتشنقها وترمي بجثثها البتول البريئة لوحوش الجشع والطمع وطحالب الأزمات التي تعملقت وتسلّقت وغطّت جدران حياتنا المجهولة الطلاء. 
وعلى حين جمرة غافلني فيديو.. واقتحم صفحة مخيلتي الشخصيّة.. لعازف ناي يصبُّ أنهار دموع.. في فضاء الصمت المسموع.
 هنا صرخ مخيخي المثقل بالهموم وأسطول التساؤلات.. على سرير قد أدمن الوجع والأنّات.. وجدتها.. وجدتها.. وجدتها؟! لا لم يكن أرخميدس الذي خرج عرياناً.. بل كان مخيخي الذي جلس حيراناً.. حيناً يصفن.. وحيناً يتساءل.. من الذي أبكى الناي؟ حزن القصب المذبوح.. أم حزن العازف المفضوح.. أم جرح الحقيقة المفتوح؟!
بكيت معه حتّى النخاع الصوتي.. وحين جفّت مآقينا.. وأدركت أنّ الفجر راحلٌ يقينا.. أنشدت.. ( أعطني الناي وغنّي.. فالغنا سرّ الوجودِ ).. أجابني بأحرف من خريف.. صوتي مسروق.. وبوحي مخنوق.. وشفائي مشنوق.. وأنا عبد الانتظار.. لكنّي معتوق.. لا أستطيع الغناء.. فقد أدمنتُ البكاء.. يراودني في كلّ حنين الفناء.. فلا أدرك لي أرضاً ولا سماء.. ولا يبوح صمتي بالحقّ حين أشاء.. أعلم علّتي.. ولا أتلمّس الدواء.. وأسلّم أنّ شراييني قد رسمت بين ضلوعي الداء.. ولا أستطيع التخلّي عن الناي.. هي مؤنستي وسلواي.
تظاهرت بالجَلد والكبرياء.. وأخذت أرسم له صوراً من نقاء.. تحت جنح الصباح على استحياء.. أراود حزنه.. بغية الشكر والثناء.. وأتابع الإنشاد.. ( غنّي.. أحبّك أن تغنّي.. وتحدّث الأطيار عنّي ).
عاجلني عصفور قد نفض للتوّ عن جناحيه تثاؤبات الندى مزقزقاً.. كيف له أن يغنّي وهو أخرس؟ وماذا تريد أن يحدّثنا عنك يا أشعث؟ ولماذا لا تترك الناي وشأنه وعن نفسك تتحدّث؟ فنحن معشر العصافير.. نزقزقُ قبل أن نطير.. ولا نرهق رأسنا الصغير في ما كان وما سوف يصير.. وأن رزقنا موجود أم أنّ الأمر عسير.. وكلّ ما علينا أن نجتهد ونطير.. وعلى خالقنا الأكرم حسن التدبير.. فنحن الضعفاء.. وسبحانه على كلّ شيء قدير.
سألته.. هل تؤمن بالله ياعصفور؟ فزقزق.. وكأنّه مقهور.. لا أؤمن بسواهُ.. ولا أخشى خطباً إلّا أن أنساهُ.. يرافقني في كلّ خفقة جناحٍ.. ولا أراهُ.. وأسأله.. أن لا يكلني لنفسي طرفة عين.. جُعلتُ فداهُ.
بكيتُ مجدّداً.. كيف نبني من أحزاننا قبور.. وننبش عن حلول عصيّة العثور.. ويرقص مذبوحاً من الألم عصفور؟
يطارده في السهول والوهاد.. كلّ يوم ألف ألف صيّاد!
وها أنا قد كفرت بالسواد.. وألقيت بهمومي على ربّ العباد.. وسوف أغنّي وأُعيد الإنشاد.. 
يا ناي أنا مثلك حزين يا ناي.
أنت ببحّتك تشكي هموم القصب.. 
وأنا لغير خالقي ما أحكي شكواي.
يا ناي سرقوا كروم الذهب يا ناي.
صار معاهم أكوام من الظلم..
وأنا المنتصر مادام الله معاي.
يا ناي رح شقشق تياب الحزن.
وصحّي الفرح من غفوته بنجواي.
يا ناي رح أضويّ ألف نجم ونجم.
رح شد خطوتي وما أتعثّر بممشاي.
.. محمد عزو حرفوش..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق