أنا التي تقف على أعتاب الزمن، وأظن أن كل منا يقف، أنظر لما مضى من العمر، أراقب تفاصيله، أحن لبعض الذكريات، أكثر الذكريات أرجو لو أنساها، أحن لتلك الذكريات المفعمة بالبراءة، أشتاق لزهرة الفتنة في بيت والدي، لرقصات الطفولة، للابتسامات، لسويعات قضيتها في أحضان أمي وهي ترمقني بشغف.
تجتاحني الذكريات التي سرقت مني طفولتي، التي سرقت مني عمري، وما زالت دون رحمة، كنت طفلة حين ألبستني أمي ذاك الثوب الأبيض وقالت لي حينها إنه ثوب السيدة، ولم أكن أعي ماذا يعني اللون الأبيض، وماذا تعني كلمة سيدة في ذلك الحين، كنت أظن أنه ثوب السعادة والهناء، ولم أعي حينها أنه ثوب الشقاء والفناء، لم أدرك إلا مؤخرا أنه لا يفرق عن ثوب القبر إلا في شيء واحد، أن من ترتديه تسمع الزغاريد والموسيقى ظنا منها أنها السعادة، ومن يرتدي الثوب الآخر يسمع العويل والبكاء، كلاهما يصدر صوتا، وكلنا الصوتين شفاء وفناء، فالأول بكاء على مر الزمان، والثاني بكاء في الآن، فهذه تموت في اليوم آلاف المرات، وتلك ماتت مرة واحدة.
وفي الجهة المقابلة أقف على بداية طريق جديد علني أنجو بما تبقى لي من العمر، أو علني أهتدي ليد تأخذ بيدي إلى حيث أريد، أقف مترددة خائفة حائرة لكن بشغف وشوق قد يكون السبب أنه الطريق الذي حلمت به في طفولتي، وقد يكون لأنه الطريق الوحيد الذي اخترته بإرادتي، فسابقا لم يكن لي اختيار أو قرار، أما الآن فقد اختلف الأمر.
لم أعد تلك الطفلة التي ألبسوها ثوب السيدة وهي لا تعي ما معنى سيدة، فالسيدة يا سادة يا كرام إنسان لها الحق في الحياة والاختيار، وهي صاحبة قرار، وإن كان يظن البعض أنه الوعي قد جاء متأخرا، لا يهم ما يرون، المهم أنه جاء، وأنا أرى أنه جاء في الوقت المناسب، وهذا هو المهم.
أيها السيدات والسادة لا تلومونني فإنها تبقى مجرد خربشات
١٨/ ٨ بقلمي نسرين المدهون غزة فلسطين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق