الرجل المطر (١٦)
حيرتني وشغلتني عبارات حبيبي المجهول في رسالته الأخيرة التي تركها لي داخل ديوان الشعر.
ما الذي يقصده بسؤاله إن كنت سأقبل به حبيبا؟
كانت هذه الليلة الأولى التي أمضيها بين أحضان تساؤلات وقلق.
كنت في السابق أغفو على أمل بلقاء سيتجدد عند المغيب، لكني الآن أعيش لحظات من الشك والخوف من لقاء قد لا يأتي.
وقد أستيقظ غدا وأدرك أن ما كنت أعيشه ليس سوى وهم وسراب أو ربما يكون مجرد حلما طويل.
نفضت عن ذهني غبار تلك الأفكار البائسة وجهزت نفسي للذهاب إلى العمل برغم الإجهاد الواضح على ملامح وجهي.
انتظرت أن ينتهي دوامي بفارغ الصبر كي أعود إلى المنزل لأستلقي على فراشي وأغرق في نوم عميق.
كانت الشوارع مزدحمة كالعادة عند كل مساء خاصة في هذا التوقيت بعد انتهاء مواعيد العمل في معظم القطاعات والشركات. لكن سماء اليوم تشبه جبل النار، لون شمسها داكن وكأنها غاضبة أو رافضة أن تبرح مكانها، أشعر بأنها تعلن تمردها على الطبيعة، لكن سرعان ما بدأ هذا الغضب بالتلاشي ليحل محله الليل بحلته الخريفية الرمادية الغمام.
وصلت منزلي و كلي أمل بأن أجد مطري بانتظاري في زاوية ما، نعم أطلقت عليه اسم مطري لأني حتى الآن لم أحظى باسمه الحقيقي.
أصبح هاجسي أن ألمحه من بعيد، أجهدني وأتعبني هذا الرجل المطر.
وفي خضم هواجسي هبت عاصفة هوجاء جعلتني أنتفض من فراشي لأحضر شمعة أشعلها بعد أن تسببت العاصفة بماس كهربائي قطع التيار.
فأنرت إضاءة جوالي متوجهة إلى غرفة الجلوس حيث يوجد الشمع المعطر الذي أحرص دائما على شراءه، وما أن أشعلت الشمع لمحت نورا خافتا من الخارج، فاقتربت من زجاج النافذة ووجدت مطري مسرعا نحو سيارته وبيده مظلة حمراء جديدة، لكنها نسخة من الأخرى التي كان قد أهداها لي.
ماذا كان يفعل هنا؟ ولم ذهب فورا بعد أن لمحني؟
فتجرأت وفتحت الباب لألحق به وأناديه لكني وجدت سلة ضخمة أمام مدخل بيتي مليئة بشموع معطرة و أنواع مختلفة من الشاي و الشوكولاتة التي أحبها و دبدوب أحمر صغير مربوط على عنقه شريطة بداخلها رسالة حب جديدة.
حبيبتي الرقيقة، أنا بقربك دائما حتى وإن كنت بعيدا. ستجديني معك في كل مكان فلا تقلقي، وحاولي أن تنالي قسطا من الراحة هذه الليلة واحضني هذا الدبدوب بدلا من الديوان.
أتمنى لك ليلة سعيدة يا أميرتي.
حبيبك الرجل المطر.
أذهلني وصدمني، لكنه أيضا أسعدني وأبهرني فما كان مني إلا أن أستسلم للنوم الذي كان قد غلبني قبل أن أرهق نفسي بأسئلة لن أجد لها أي إجابات.
إنصاف غسان قرقناوي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق