في إحدى القرى الصغيرة عاش الشاب أحمد الأكبر لأخوته والذي قام على رعايتهم بعد وفاة أبيه فتخرج الأخ الأوسط من الجامعة وأصبح محامياً وأصبح الثاني مدرساً وأسعده أن أخويه أصبحا في درجة ممتازة وأما أمه فقد عمل المستحيل لكي تحجَ بيت الله. وفي أحد الأيام قالت له أمه ياولدي البار الآن أصبحت كبيرةً في السنِ وأتمنى أن أرى أولادك فياليتك تختار أي بنت تعجبك أو دعني أختار لك. فلديك في الأسرة بناتٌ جميلاتٌ أختر من تريد وأنا سأخطبها لك ياولدي قال لها ياأمي أنا لا أفكر بالزواج الآن وبعد أن يتزوج أخوتي عماد ومحمد أفكر بالزواج إن شاء الله
وبعد كم يوم حضر للمنزل وهو يحمل كيساً من الخضروات والفاكهة لأمه وأثناء دخوله لبابِ المنزل خرجت من المنزل فتاة جميلة جداً لفتت نظره
دخل المنزل وهو مبهور بجمالها فسأل أمه... من كانت هذه الفتاة التي خرجت الآن ياأمي؟ فقالت له إنها جارتنا بنت ممتازة من عائلة طيبة وقد سكنوا الحي من فترة فقال لها دون أي تفكير هل هي متزوجة أومخطوبة يا أمي؟ ضحكت الأم وقالت لا ياحبيبي وقد فكرت بها كعروسة لك قال لها وهو ينظر للأرض خجلاً وكأنه بنت يا أمي أنا لا أفكر بالزواج وكان مجرد سؤال عابر.
فقالت له الأم الله يهديك يا أحمد ياولدي براحتك
وبعد كم يوم حصل نفس الموقف والتقيا وجها لوجه فإذا به يشعر بأنها خطفت قلبه كأي شاب عندها صارح أمه فكادت تطير من شدة الفرح وتم الزواج وعاشا في نعيم ورُزق منها بأول طفل أسمياه محمود وكان البيت كبير فسكن في الطابق العلوي وترك الطابق الأوسط والأرضي لأخوته أما أمه فقد اختارت أن تسكن الطابق الأرضي لكونها سيدة كبيرة ولا تستطيع الصعود والنزول. عاشا في سعادة وكان أحمد شاب مؤمن فكان في كل صلاة يشكرُ الله على النعمة والرزق وأن يجعلهُ رزقاً حلالًاً ويطلب من الله أن يرزقَ كل محتاج.
كان لأحمد صديق من أيام الطفولة اسمه مصطفى متزوج وله طفلان بنت وولد وكان شاب محترم وشاءت الأقدار أن يحتاج لمبلغ كبير فاقترض المبلغ من أحد التجار مقابل كل مايملك وبعد أن طالت المدة بدأ هذا التاجر يطالب بفلوسه ومرة بعد مرة شعر مصطفى بأنه غير قادر على إرجاع الدين للتاجر لأنه مبلغ كبير كان قد اقترضه لعلاج أمه في الخارج لم يستطع مصطفى إرجاع الدين للتاجر فتذمر التاجر وقام بتهديد مصطفى بالحجر على بيته الذي يسكن فيه وطَردِهم من المنزل هو وأمه وزوجته وطفليه.
سمع أحمد بالخبر تألم وقال له لِمَ لَمْ تخبرني يا أخي أين الصداقة والأخوة بيننا فقال مصطفى إنه مبلغ كبير خجلت أن أطلبه منك يا أخي وقد اقترضته من التاجر فلان مقابل كل ما أملك ولكني لا أقدر على رده الآن وأنا مهدد بالتشرد وأسرتي لأن لديه أوراق تثبت حقه. فكر أحمد بمصير هذا الصديق وأسرته وعند عودته وبعد تفكير بمصير هذا الصديق وأسرته قال لزوجته بكل لطف ... مارأيك لو أبيع منزلنا الثاني وأسدد له الدين لأن المنزل صغير ولا نحتاجه ونحن نسكن هذا المنزل الواسع والحمد لله ومصطفى صديقي من أيام الطفولة. اعترضت وبشدة فقال لها لِمَ تعترضين والمنزل لسنا بحاجة له وإن شاء الله أشتري منزلاً غيره بالمستقبل . لم تقتنع وقالت له لقد وعدتني أنك ستكتب المنزل باسمي والآن تريد بيعه كي تساعد صديقك لن أوافق على هذا وعليك أن تختار بيني وبين صديقك وهذا قراري الأخير . اشتد غضب أحمد فقال لها أختار صديقي ولا أفرط بك وبابني لأنكم أسرتي فقالت له لا وعليك أن تكتب المنزل باسمي الآن كي أضمن أنك لن تبيعه. اشتد الخلاف بينهما لعنادها وقسوة قلبها فتركت المنزل لتعود لمنزل أبيها. ومرت الأيام والسنون وأصبح مصطفى الشاب المحتاج صاحبَ محل كبير حيث استطاع تسديد المبلغ لصديقه الوفي أحمد.
وفي أحد الأيام كانت هناك سيدة عجوز تريد أن تعبر الشارع فصدمتها سيارة فوقعت مغشياً عليها فأسرع اليها شاب وحملها بين ذراعيه لقد كان هذا الشاب ابن مصطفى الذي كان عائداً من الجامعة. حملها لمنزلهم فقد كان المنزل قريب في نفس الشارع واستدعى بسرعة الطبيب الذي يسكن في الشارع الثاني وتم نقلها للمستشفى وفي المستشفى أراد الطبيب أن يعرف من هي ولكن وضعها الصحي كان لايسمح وعندما استفاقت سألوها عن أهلها كي يحضروا. وكانت صدفة عجيبة وغريبة لقد عرف مصطفى الذي كان يقف بجانب ابنه الشهم الذي قام بهذه المهمة الإنسانية وسعيد به وفخور جداً عرف أنها زوجة أحمد التي رفضت مساعدة والد هذا الشاب وضحت بأسرتها عندما عرض زوجها عليها مساعدة صديقه.
عندما عرفت هذه العجوز القصة بكت وقالت لمصطفى سامحني فقد كنت مخطئة ولم أدرك حجم خطئي إلا الآن وبعد أن عرفت أن من أنقذني من الموت هو نفس الشخص الذي كنتُ سأعرض حياته وأسرته للتشرد والجوع وربما الهلاك بغبائي.
ابتسم مصطفى هذا الرجل الطيب وقال لاعليك الآن أنا سعيد بهذه الصدفة التي جمعتنا مرة ثانية فنحن أخوة وأهل وعلينا أن نسامح بعض لأن مافعله أحمد صديق عمري عمل لا أنساه طوال حياتي فقد أنقذ أسرتي من التشرد وساعدني الله أن أرد له دينه وأن يقوم ولدي بهذه المساعدة البسيطة لك وقد أكرمني الله بنعمه الواسعة والحمد لله.
وعادت هذه السيدة لمنزلها وهي تستغفر الله من ذنبها وقد عرفت أن للصداقة قيمة كبيرة وممكن الإنسان المخلص أن يضحي من أجل صديقه بأعز شيئ يملكه كما فعل أحمد تجاه مصطفى وضحى بزوجته مقابل أن لا يتشرد هذا الصديق وأسرته.
تمت
ليس هناك شيئ يعادل الوفاء
د. انعام احمد رشيد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق