الجمعة، 28 ديسمبر 2018

صهيل في حضرة الجفلان ...للمبدعة أمل ماغاكيان

يوميات امرأة خريفية       الجزء 8
صهيل في حضرة الجفلان

عند تخوم الصقيع ، حضر الشتاء ممتطيا عربة من جليد ، تجرها عدة احصنة لاذعة البرودة ، يزداد صهيلها المترع بالزمهرير كلما ساطها الشتاء الملثم بالسحب السوداء ، كي ترفع ساقيها للريح بكل ماملكته من سرعة الصوت ..
رأته هيفاء ، تلك الطفلة الصغيرة التي لم تتجاوز عامها التاسع بعد .راته حين فتح باب العربة وسرق منها دميتها الجميلة ،
اما هي فقد ركلها بقدمه الضخمة ، لتسقط في الدرب الذي شقته إطارات العربة ، كان نصفه ثلج ونصفه طين احمر .
زحفت وراء العربة لتعيد دميتها لكنها ما استطاعت . فاَلامها
كانت اكبر من قدرتها على اللحاق .
خارت قواها ، زاغ نظرها . وراحت ترى مابين الصحوة وإلاغفاءة ، واحة غناء ، تابعت زحفها بلا جدوى .
هطل المطر غزيرا فوقها ، وكانه يغسلها. شيئا واحدا لم يُمحَ عن جسدها الصغير الا وهو حوافر الخيول ، وكأنها وشوم مشوهة قد رسمت بيد حفار رديء الخط . لتكتشف فيما بعد
ان ماشاهدته لم يكن الا سراب مقيت.
في هذه اللحظة استيقظت الطفلة من غفوتها لتجد نفسها وقد اصبحت بعمر الخريف .والشجرة الوحيدة المعمرة والمنتصبة قرب نافذتها المشرعة على الخريف كانت اوراقها الصفراء تتساقط بغزارة حتى ملأت غرفتها وغطت جزء كبير من جسدها المنهك .
وجدت نفسها فجاة قد تحولت من طفلة إلى امرأة في منتصف العمر .والرياح تعيث بخريفها المنهمر بلا هوادة .
بين الشتاء والخريف ، أين ذهبت بقية الفصول ؟!
تساءلت هيفاء وعلامات الدهشة بادية على ملامحها المغبرة.
تساءلت ايضا ماالذي ابقاني حية حتى هذا الوقت ؟!
من الذي جعلني اغفو ؟! من الذي ايقظني ؟!
وبينما هي على هذه الحال ، سمعت صوت عربة تجرها الأحصنة الصاهلة. جفت الدماء بعروقها ونامت بعدها نومتها
الأبدية .
........
هكذا هي الحياة دوما ، تبسط يدها لمن تشاء ، وتمنعها عن البعض الاَخر .
اللهم لا اعتراض على حكمك ، ولكننا نسألك اللطف فينا .
........
ما اروع الخيال المجنح ، حين يحلق بنا نحو فضاءه الموغل
بالصور المعنوية والتي نستطيع من خلالها التعبير عما يعترينا
في واقعنا الأليم وبشفافية لا متناهية ..
............
امل ماغاكيان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق