الأربعاء، 13 يونيو 2018

يوميات رمضان 27 .... للمبدع وليد .ع. العايش

_ يوميات رمضان – 27 –

       __________

وضعت رأسها على هاوية ركبتيها، كان الوقت عصراً، بينما العصافير تتطوّفُ على ناصيةِ شجرة الكرْمَة القريبة، الجبلُ يدنو من رأسِ رابيةٍ أُصيبتْ بالجُذام ...  

هناك في الغُرفةِ المُجاورة أربعةُ أطفالٍ يلهون بِدُمىً عتيقة تكادُ تُفارقُ الحياة بعد معيشةٍ ضيقة الجوانح .

نسمةٌ غربيّةٌ تهبُّ فجأة، جعلت من سربِ اللقالق يهبطُ اضطرارياً على عُشبِ حقلٍ يحتسي بعض المياه المالحة .

- ما بكَ يا أماه ... لِمَ أنتِ حزينة هكذا ... 

-  لا شيء ياولدي ... لا شيء ... اِذهبْ إلى إخوتك وأكمل لعبك معهم ، إياكم أن تقتربوا من الصورة المُعلّقة على الجدار.

- حاضر ... يا أمي ... حاضر ...  

الدربُ المُمتدُّ إلى أُفقٍ بعيد يُحاولُ ارتشاف آخر ما تبقى بِفُنجان القهوة، أنوارُ المدينة تبدو سريالية الألوان في هذا المساء ... 

( سلّمي أمركِ لله يا أمّ خالد، لنْ يعدْ زوجك من رحلته الأخيرة، رأيتهُ بعينيَّ هاتين يلفظُ أنفاسه ) ... مازالت تلك العبارةُ تدقُّ مسامعها منذُ خمس سنوات، لكنّها لم تصدقها، بقيتْ تراقبُ الدربَ الذي أمامها كل مساء .

- سيعود ... سيعود ... أبو خالد لمْ يمت ... إنّه شامخ كشجرةِ السنديان ... 

حدّثتْ نفسها، لكنّها لم تستطعْ إيقاف دموعها من عبور الطريق إلى وجنتيها الورديتين ، ثغرها يلامسُ رُكبَتِها اليُمنى بشغفْ، ما شاءتْ أن ترفع رأسها رغم دبيب الرياح العابقة برائحةِ القهوة, تلكَ المُنبعثة من بيتِ جِيرانها .

- هيا يا أمي ... نريدُ أن نأكلْ ... صرخ الولدُ الأخير ... 

لم تحرْ جواباً على سؤاله، إلاّ أنّ دموعها أرختْ بِظلالها على حقيقةٍ لا تعرفها إلاّ هي .

- هيا يا طفلي الصغير ... ها أنا قادمة إليكم ... رفعتْ رأسها قليلاً، ضربتْ بعينيها الأفق البعيد، تسمّرتْ فجأة، قفزتْ من مكانها، شيءٌ ما يلوحُ في نهايةِ ذاكَ الدرب, لفظتْ الرياحُ أنفاسها, وغادرت ... 

سِربُ اللقالق يعاودُ رحلتهُ بعد استراحةٍ أُكرِهَ عليها، عصفورٌ يرتدي عامهُ الأول يحاورها عن قُرْبْ .

خرجَ الأطفالُ دُفعة واحدة، تسمّرتْ الأعينُ كُلها، بينما الأغصان تُغني لحناً فيروزياً بنفسجي اللون .

( كم أنتَ كاذبٌ أيُّها القدرْ ... و يا أيّها الرجل ... ) ... قالتْ أُمّ خالد, ثُمَّ أرسلتْ حُفنة من قُبلاتها ودموعها الساخنة لتوّها إلى جباهِ أطفالها الأربعة ... 

_________

وليد.ع.العايش

28/رمضان/1439 هـ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق