الأربعاء، 6 يونيو 2018

يوميات رمضان... للمبدع وليد.ع. العايش

- يوميات رمضان - 21 - 

_______

الرياح في الحديقة القريبة تتلاعب بالأغصان كيفما تشاء ، منذرة بعاصفة وشيكة ، الطيور هجعت إلى أعشاشها بحثاً عن مأوى يقيها سطوة البرد القادم ، اختلس نظرة إلى الزوجة المستكينة بجوار المدفأة ، ترتدي ثوبا شفافاً أسود اللون منحها جمهرة أكثر من الجمال الإلهي ، تمتم بكلمات لم تفهم معناها ، عاود رحلة الصمت الرهيب ، حبات المطر بدأت تطل برؤوسها من النافذة الخشبية المحطمة ، الرعد يزبد في سماء غضبى ، ينطلق البرق متجاوزا الأعراف الدبلوماسية ، يخترق كينونة الغرفة المتشحة بالحزن ، ستارة مهترئة تهتز تحت وطأة أزيز الريح الموجعة ، المياه السماوية تتسرب إلى الداخل ، تبعث صقيعا ساخنة ، حقيبة رمادية تقبع في زاوية ، تنتظر ولوج خيوط الفجر الأولى ، في الزاوية المقابلة طفل مركون لنوم حالم .       - إنها ليلتك يازوجتي ... قالها بخجل ... 

وضع رأسه المتعب على الوسادة المُبتلّة بحبيبات المطر ، يختلس النظر إليها عسى أن تلتقط أنفاسها ، أوتصوب نيران أنوثتها تجاه الفراش الكئيب ، في كل مرة تتلاقى عيونهما ، كانت تشيحُ صوب تلك النافذة ، ربما تتأمل منظر المطر !!! ...  

- تعالي إلى هنا حبيبتي ...  قالها بشيء من الرهبة والرغبة هذه المرّة . 

صمتٌ يتشابكُ مع دويّ انفجارات مبهمة ، تمتمت بحشرجة مأساة ، اختصرت سحر إناث الكون في لحظة واحدة ، استسلم للمشيئة وأدار بظهره إليها ، قرر أن ينال بعض الراحة ، بينما بدأت تذرف دموعاً لاتشبه الدموع ، الضوء يتسلل كلصوص الظلام ، قذف وجهه بحفنة ماء جليدية ، امتطت الحقيبة ظهره بأنين خافت ، رمى بضعة كلمات باتجاه الزوجة البائسة ، الثوب الأسود يعاتب بضراوة ، انحنى صوب الطفل الذي مازال في سباته المقهور ، لثمه وابتعد ، عيون تتابع واجفة ، أمتار كثيرة باتت تتشكل متشابكة مع آهات متحسرة ، احتضار الزمن الجميل ، التفَّ حول نفسه ، ضربته الدموع كسياط جلاد من زمن الكُفر الأول ، لحظاتٌ حُبلى بأشياءٍ قاتمة ، رمى بالحقيبة في مياه موحلة ، عناقٌ حميميٌّ أمام المنزل الطيني ... اِستيقظَ الطفلُ مبتسماً ...

__________

وليد.ع.العايش

21/رمضان/1439 هـ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق