الجمعة، 29 نوفمبر 2019

الصرخة... للمبدع مجدي متولي

الصرخة
تركت طفلها بجوار والدها المسن.. حيث يمكث على الأريكة التى تتوسط صالة فسيحة بها شرفة تطل على الميدان.. مدت يدها للأمام وتمتمت
: هذه رضعته, عندما يبكي ضعها فى فمه !  ثم نظرت إلى والدها تطمئنه:
ــ لا تقلق يا أبي.. لن اتأخر!!  ربت على كتفها وهز رأسه. قبل أن تخطو للأمام, وتنطلق للخارج.. ألقت نظرة سريعة على الأسياخ الحديدية الممتدة بطول الشرفة وعلى ضيق المسافة بينهم.  هزت رأسها وانطلقت إلى عرض الشارع, وقلبها يحنو إلى طفلها الذي لم يكمل عامه الثانى بعد.. واحساسها بالوحدة بعد وفاة زوجها.
الحركة معدودة, والخطوات ثقيلة.. عينيها زائغتان هنا وهناك.. فى هذا الشارع المعتم إلا من التماعات النجوم على سطح المنازل. قبل أن تغلق الحوانيت أبوابها تسوقت بعض الأشياء والوجبات المعلبة والجافة.. بعد أن قذف البائع سيلاً من السباب والسخط لما يدور حوله من انتهاك لحقوق الإنسان. هى لا يعنيها, ولم تعلق على ما يقول.. إنما هناك خلف الأسياخ الممتدة بطول الشرفة.. يرقد طفلها بجوار والدها المسن. اندفعت بمحازاة المنازل والجدران.. تتفادى طلقات القناصة المتربصة فى كل مكان. أشرفت على الميدان. رأت أعداد غفيرة أمام منزلها. هرولت مسرعة. اقتربت رويدا رويدا بخطى ثقيلة.. والأقدام تلاحقها, والأنظار تحدق فيها.  كان الباب الخارجي مفتوحاً على مصراعيه. اندفعت للداخل بقوة.. ثم صرخت.. صرخة عالية. اهتزت لها الأرض:
ــ علي ولدي.. أبي ماذا أصابكما ؟!!
كان طفلها أشلاء.. ووالدها مقتولاً  ويده متشبثة بزجاجة الرضاعة. خارت قواها وتمددت أرضا.. إلا عينين محدقتين فى الأسياخ الحديدية الممتدة بطول الشرفة.. وأذنيها تنصتان لصوت قناصة يضربها عدو أثيم.
بقلم الأديب/ مجدى متولى إبراهـيم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق