" لو كان بيدي تغيير قدري لفعلت "
قالتها وأطلقت العنان لتنهيدة طويلة وحزينة وعميقة ، مع دمعة تحجرت بمقلتها ، واعتلت وجهها مسحة من الألم والحزن الذي كان مخفيا أو ربما كان في سبات .... لحظات مضت وبعدها استرسلت في حديثها ...
" كنا زميلي دراسة ، لا نفترق إلا في الآحاد والعطل ، لكننا كنا لا نتفارق روحيا ، كل منا يدون أعماله اليومية بالتدقيق وشوقه وحبه وفي اول يوم دراسي جديد نتبادل المدونات ونواصل حياتنا وكأننا لم نفترق ... تعلق بي وتعلقت به وكبر ذلك الشيء العذب ، تلك النبتة الجميلة التي رويناها بروحينا... مرت الأيام ونحن نبني القصور الشامخات ، وفجأة .... ظهر على سكة حياتنا طرف ثالث ، عكر ذلك الصفو وهدم تلك القصور ...
فكروا ... وقرروا ... ونفذوا .... هم أصحاب القرار والرأي وهم السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية ... هم الكل والمحرك الأساسي وبيدهم الحل والربط ... أنا ... من أنا ؟؟؟؟ ما دوري ؟ وأصلا هل لي رأي ؟؟ وهل يؤخذ بعين الاعتبار رأيي ومشاعري وأحاسيسي؟
قرروا زواجي من ذلك الطرف الثالث رامين برياني عرض الحائط ، نفذوا قرارهم سريعا وقدموني كما تقدم القرابين للآلهة قديما ، وافترقنا انا ومن أحببت وأحب ... ومضة الأيام ، ومضيت في الحياة ، وتهت في دروبها المتشعبة ، غصت في أعماقها ، تعبت ، حزنت أحيانا وفرحت أحيانا أخرى ،لكن بقيت بقلبي بصمة عالقة هناك ، لا تتزحزح ، ولا تنسى أبدا ، ربما هي حزن تجذر وتمكن ، أو ربما فرح ، في كلتا الحالتين ، بقيت تلك البصمة في الحفظ والصون وسط القلب وبين حنايا الروح لأنها كانت من شخص غال على القلب ، هو أيضا أبدا ، أبدا لا ولن ينسى ، حبيبا كان وسيظل لآخر العمر ... مرت الأيام والسنين واكتسى الوجه تجاعيد الزمن وخرائط المتاعب وما استطعت نسيانه ، لا تظن أبدا أنني إذا لبست رداء صمتي ، أنه قد نفذ رصيدي من الكلام ، أو أنني أخاف أن أتكلم وأفصح عما بداخلي ؛ بالعكس تماما ، فأنا لي من الكلام الكثير الكثير ولكنني وببساطة كنت أنتظر أن تتهيأ لي الظروف وأجد أذنا صاغية ومستعدةلسماعي و فهمي فقط .... فقد تظلمنا الحياة ، وقد يسود ظلام الدنيا علينا في أي لحظة ، وقد تضيق علينا بقدر ما اتسعت وأكثر ، وقد تموت سعادتنا بأحضان آلامنا وأوجاعنا ، وقد نفشل حتى نيأس ، وتموت كل أمانينا ...... لكن هناك شموع مضيئة تجذبك من بعيد تلك الشموع الربانية ، شموع تعيد لك الأمل الضائع والفرحة التي سرقت منك ولحظات الصفاء التي اختطفت من بين يديك ؛
فمهما حدث ويحدث ، كبرت وهرمت ، غزى الشيب مفرقي ،
تغيرت ملامح وجهي ... لكن حبي له لم يتغير ولم يذبل ، بقيت يدي ممسكة به رغم المسافات وروحي لوجوده ظمآنة و عيوني لرؤيته مشتاقة ، لا يفارقني ، ألتقي بطيفه في خلوتي بدون ميعاد وفي نفس التوقيت المعتاد ...
والتقينا أخيرا .....
فكان لقائنا ، هكذا ، بسيطا في كل تفاصيله ، ناعما ، مربكا ، دافئا ومدهشا ....
قال :
أعطني أصابع يديك
فقلت :
مدني عينيك أسبح فيهما ، أغوص فيهما ، أغرق فيهما ...
أغمض عينيه ، ورحل للأبد ... "
مات بين يديها ماسكا أصابيعها وبقيت هي تزور هذا المكان مكان عشقهما الأزلي !!!
رفيعة الخزناجي/ تونس
#هلوساتي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق