الثلاثاء، 26 نوفمبر 2019

رحلة في الوطن العربي.... للمبدع عبد العالي لقدوعي

رحلةٌ في الوطن العربي،من الخليج إلى المُحيط *

أنا من لقّن العيّ الجوابَا * وكُنتُ لعادياتِ الوحشِ نابًا
وكُنتُ لزهرة النّسرين عِطرًا * وكُنتُ بوَسْطِ صحراءٍ سرابًا
وصرتُ اليومَ ماءً،أو حديدًا * ونارًا،أو تُرابًا،أو شِهابًا
ولولا رحمةُ الرّحمن عمّتْ * لصارتْ هذه الدنيا خرابًا
وزُرتُ العالمَ العربيّ طُرّا * وما خِفتُ المتاعبَ والصّعابَا 
بدأتُ من الخليج،فكُنتُ وحدي * بمسقطَ،والمقامُ هناك طابَا
 وأسوارٌ تُشيّدُ من زمانٍ * مضى،لليومِ تُنتصبُ اِنتصابًا
أبُو ظبي تُلاحقُها مئاتٌ * من الجُزُرِ التي تُخفي العُبابَا
وأهلُ البُرتُغالِ بها أقَامُوا * وقد رحلُوا،فهل خافُوا العِقابَا؟
وأمضي للرّياض بأرض نجدٍ * فأجعلُ ماءَ ساقيةٍ شرابًا
بقصر المَلْكِ قد زادتْ جَمالًا * وجامعةٍ،قدِ اِحتوتِ الشّبابَا
وعند الدّوحة اِمتدّتْ ظِلالٌ * فأنعشتِ المُسافرَ والصّحابَا 
وتحتَ الماءِ أسماكٌ تراها * تُصادُ،ولؤلؤٌ في البحر غابَا
وفي صنعاءَ تاريخٌ عريقٌ * فسُورٌ ثَمّ،يُعجُبني اِقترابًا
بها القُلّيسُ معْ غمدانَ قِدْمًا * كذاك مساجدٌ،ليست يبابًا
وقف بي بالمنامة،إنّ فيها * كُنوزًا،تُحدثُ العجبَ العُجابَا
ومقديشُو على الهندي أراها * كلُؤلؤةٍ،بها الغواصُ آبا
وسِرتُ إلى الكُويت،وتلك أرضٌ * أسالتْ من فمِ الدنيا لُعابًا
ففيها النّفطُ يُذهِبُ كلّ لُبّ * ويُجري كلُّ ذي طمعٍ حسابًا
وفي بغدادَ تاريخٌ ومجدٌ * ودجلةُ كاللُّجينِ جرى مُذابًا 
وفي بغدادَ للإسلامِ صرحٌ * وتُلبسُها الحضاراتُ الثّيابَا
فذا المنصورُ أسّسها قديمًا * ويَمسحُ عنها هارونُ الضّبابَا
فكانتْ مَجْمَعًا،عِلمًا وفنّا * وآدابًا،وأشعارًا عِذابًا
كذا اِشتهرتْ بعمرانٍ،وفيها * مدارسُ فتّحتْ للنّشء بابًا
ودارُ العلم بالعُلماء تزهُو * وقد خطّتْ أناملُهُمْ كتابًا
وهُولاكُو يُدمّرها بجيشٍ * وتَيْمُورلنكُ جرّعها العذابَا
ويظفرُ في الأخير بها مُرادٌ * فيُمسي – ثمّ –نَسْرًا أو عُقابًا
وجيبُوتي التي عاينتُ يومًا * بها الضدّانِ قد جُمعَا،فطابَا
أرى أسّالَ ينخفضُ اِنخفاضًا * وذا مُوسى علي فاقَ الهِضابَا
رُعاةٌ أهلُها،ورحلتُ عنهُمْ * كما رحلُوا،وشمسُ اليوم غابَا
على بردى،تراءتْ لي دِمشقٌ * وقد عرفتْ لآرامَ اِنتسابًا
ونُورُ الدين زنكي،كانَ فيها * فحصّنها،وردّتْ من تغابَى
وخرّبها هُولاكو،ثُمْ مغُولٌ * وتَيمورلنكُ يجعلُها تُرابًا
ويدخُلها بنُو عُثمانَ يومًا * ومِصريّونَ؛هل تشكُو تبابًا؟!
وهذا الجامعُ الأمويّ فيها * وقصرُ العَظم،لا فردٌ أعابَا
مُعاويةٌ،ويُقبرُ في ثراها * وبِيبرسٌ،وقد أوهى الصّلابَا
صلاحُ الدين أيضًا،ردّ جيشًا * وأهلَ الكُفر أسمعهُ السّبابَا
وعمّانٌ إلى الأنباطِ تُعْزَى * ولِلرّومانِ أذعنتِ الرّقابَا
وترجعُ للعُروبةِ من جديدٍ * فلا لومًا تخافُ،ولا عِتابًا
وفيها قلعةٌ قامتْ برَحْبٍ * ويطلبُ مسرحٌ منها الثّقابَا
وفي بيرُوتَ بعضٌ من كِياني * وفي بيرُوتَ لا أشكُو اِغترابًا
وفي بيرُوتَ حُسنٌ سرمديٌّ * وثغرٌ باسمٌ يحوي الرُّضابَا
عُيونٌ للمها ألفيتُ فيها * لها هاروتُ قد سجدَ اِحتسابًا
بمدرسة الحُقوقِ سمتْ قديمًا * وكانَ العِلمُ مفخرةً ودابًا
وتبدُو اليومَ فيها جامعاتٌ * ودورُ النّشر علّمتِ الخِطابَا
وتزهُو بالآثار وبالمعالي * فتكتسبُ التّحياتِ اِكتسابًا
ويُفسدُ أجنبيٌّ ذاتَ بينٍ * فيُمسي دمُ الأشقّاء الخِضابَا
وترجعُ رغمَ كيدِ الغَيرِ حقلًا * بإذنِ الله،يُزهِرُ،ثُم غابًا
وبالقُدس الشّريفِ حططتُ رحْلي * وعانقتُ المآذنَ والقِبابَا
وإسرائيلُ تجعلُها مُقامًا * فتأخذُ أرضَها منها اِغتصابًا
وتيطُسُ دمّرَ الأركانَ منها * وهادريانسُ وفّى النّصابَا
وقُسْطنطينُ يبني هناكَ دَيرًا * ويحميها إذا ما الخطبُ نابَا
وتأتي الفُرسُ تحرقُها،وتمضي * وقد جعلُوا تسلّطَهم رِكابًا
وصفرُونيوسُ،وهْوَ بها زعيمٌ * وربُّ الخلقِ ألهمهُ الصّوابَا
فسلّمها إلى الفاروق صُلحًا * وما يرجُو شكورًا أو ثوابًا
ولكنّ الصّليبيين حلُّوا * فما اِحترمُوا سُهولًا أو هضابًا
فردّهمُ صلاحُ الدّين عنها * فسلْ حِطّينَ تُعطيكَ الجوابَا
كذا العُثمانيونَ بها أقامُوا * ومَنْ يعرفْ بني عُثمانَ هابَا
وفيها يظهرُ الأقصى عظيمًا * وقُبّةُ صخرةٍ تُنسي المُصابَا
وقاهرةٌ وصلتُ لها صباحًا * وطُفتُ بها مجيئًا أو ذهابًا
ونهرُ النّيلِ يسقيها فُراتًا * إذا سفحُ المُقطّمِ ثمَّ لابَا
يُشيّدها الصّقلي،فاستفاقتْ * وبالعمرانِ أحدث اِنقلابًا
وواصلَ ذلك المجهودَ قومٌ * مماليكٌ،فلم تشكُ اِضطرابًا
وجاءَ مُحمدٌ فأتمّ حِصنًا * ويفتحُ للصّحافة ثَمَّ بابًا
بها الأهرامُ،يحرُسُها عظيمٌ * أبُو الهولِ الذي سدّ الشّعابَا
وجامعُ قيتبايَ،وكانَ عمرٌو * وجامعُ اِبنِ طُولونَ الشّهابَا
وفيها الأزهرُ اللّذْ ضمّ شعبًا * وعلّمَ في زواياهُ الكتابَا
وجامعةٌ تُسمّى عينُ شمسٍ وما تدري كقاهرةٍ غِيابًا
ومتحفُ مِصرَ تقصدهُ شُعوبٌ * ومَنْ قَصدَ المتاحفَ قد أصابَا
وقِبطيٌّ،وإسلاميُّ أيضًا * وما أحدٌ عن الباقين نابَا
لكُلّ ميزةٌ،فافهمْ مُرادي * ومَنْ لمْ يُدركِ المطلوبَ خابَا
ولمّا يلتقي النّيلانِ،تبدُو * لنا الخُرطومَ مزّقتِ الحِجابَا
بناها المِصريّونَ،وقد أجادُوا * ومَنْ لَمْ يحكِ ما قدْ مرّ رابَا
ركبتُ البحرَ حتّى اِستوقفتني * طرابُلسُ،وأنستني الإيابَا
سقاها اللهُ غيثًا،فاستفاقتْ * بماءٍ،فهْيَ لا تبكي اِنتحابًا
وأخرجَ بطنُها حلفَا ونخلًا * وزيتُونًا،وما يُجدي اِحتطابًا
ولمْ تطمعْ بمَنْ ظهرُوا بُغاةً * ومَا خلقُوا فراشًا أو ذُبابًا
بنُو قرطاجةَ اِحتلّوا ثراها * كذا الرّومانُ قد رامَ اِستلابًا
ففاندالٌ،بيزنطيّونَ أيضًا * وترجعُ للعُروبةِ اِنجذابًا
وإيطاليا تُقيمُ بها زمانًا * فسمّهِ اِحتلالًا،لا اِنتدابًا
ويطرُدها رِجالٌ،بلْ نُمورٌ * فتعرفُ اِنهزامًا،واِنْسحابًا
وتُمسي اليومَ للتّحرير رمزًا * وللآثارِ قدْ صارتْ جِرابًا
ففيها للفينيقيّينَ ظِلٌّ * وصَرحٌ ثَمَّ للرّومانِ شابَا
وفيها للعُروبة خيرُ ذِكرى * وفيها متحفٌ يُغري اللِّبَابَا
وتُونسُ قِبلةُ السّياحِ،قَامتْ * على بَحْرٍ،فأسكنتِ العُبابَا
إلى الزّيتونة الزّهراءِ أمضي * مُحالٌ أنْ أولّيها اِجْتنابًا
لها في ذروة التاريخ اِسمٌ * وفيضُ العِلمِ ينسابُ اِنسيابًا
وعُدتُ إلى الجزائر،وهْيَ أمٌّ * كما العاصي المُقرّ إذا أنابَا
ولمّا زارني همٌّ وغمٌّ * هبَبْتُ – وهَا رجعتُ لها – هبابًا
وبُولوغينُ أنشأها قديمًا * على الأنقاض،حقّا لا اِرتيابًا
وفيها اليوم آثارٌ ومجدٌ * وتاريخٌ أردّدهُ اِقتضابًا
وعند مصبّ بُورقراقَ غَربًا * دعتني لها الرّباطُ،فلستُ آبى
وعبدُ المؤمن اللّذْ كانَ فيها * يُؤسّسها،فتُرتقبُ اِرتقابًا
ويبنيها الحفيدُ،فما تراهَا * تئنُّ،ولا تُرى تشكُو تبابًا
فمِنْ آثارها: أُودايةُ،زِدْ * لها شالُ،ولا تخشى العِتابَا
وثالثُها الذي سمّوهُ بُرجًا * إلى حسّانَ قدْ عرفَ اِنتسابًا
وتُعجبني العُيونُ إذا تبدّتْ * وماءُ العَينِ فوقَ الرّملِ سابَا
نُواقشطُ دُرّةٌ سحرتْ أُناسًا * وعُمرُها أربعُونَ مضتْ قُرابًا
تطلُّ على المُحيط بطرف عينٍ * وقدْ كانتْ لجولتنا الذّنابى
فهذي جولتي برّا،وبحرًا * قدِ اِكتملتْ،فحمّلْها الرِّبَابَا

  المنيعةُ في 05 تموز 1995 م.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق