الرجل المطر (٣٥)
توقفت لبرهة لالتقاط أنفاسي قبل مصافحة أحمد الذي شعرت للحظة بأني ألقيت بنفسي داخل النار بمجرد موافقتي على هذا اللقاء.
تصاعدت ضربات قلبي من شدة التوتر لكني سرعان ما استدركت الموقف وتوجهت نحو أحمد قائلة:
مساء الخير أحمد، كيف حالك؟
مضى وقت طويل منذ أن التقينا آخر مرة. أرجو أن تكون بخير.
أجاب وهو يمد يده لمصافحتي قائلا:
أشرقت الشمس ليلاً، أهلاً ومرحباً بك، نعم صحيح، لقد مضى وقت طويل، سعيد جداً بلقائك مجددا يا شمس، كيف حالك؟؟
جلسنا ودارت الأحاديث بيننا جميعاً ونحن نتناول العشاء، وبعد أن جاء النادل لأخذ طلبات الحلوى والقهوة طلبت من أحمد أن نتحدث معاً على انفراد.
طبعاً هذا الأمر أفرح خالد جداً لأنه ظن بأن مشروع ارتباطي بابنه شيء وارد.
لم يكن يهمني ما يدور في رأس خالد على الإطلاق، إنما كان كل همي هو أن أحاول إقناع أحمد بمساعدتي لإنقاذ غيث وعائلته وأمي من كارثة كبيرة.
انفردنا أنا وأحمد على طاولة بعيدة بعض الشيء عن نظر خالد وأمي.
بدأت الحوار بشكل عشوائي قائلة:
أحمد اسمعني جيداً أرجوك ولا تقاطعني حتى أنتهي من كلامي.
أنت تعلم أني مخطوبة لشاب يدعى غيث، وأننا نحب بعضنا جداً وكنا على وشك إتمام تحضيرات الزفاف لولا أنه تعرض لحادث مدبر كاد أن يودي بحياته.
صدقني يا أحمد أنا أكن لك كل الاحترام والتقدير وأعتبرك بمثابة أخ لي، وفكرة ارتباطنا هذه مستحيلة لأني لا أحمل لك بداخلي أي مشاعر حب، نحن بالكاد نلتقي أو يعرف أحدنا الآخر.
وفي الحقيقة أنا أريدك أن تساعدني في إقناع والدك بأن هذا الأمر استحالة أن يتم لكن دون التسبب بأي أذى لأحد ولا حتى لغيث.
بدأت دموعي تنهمر دون أن أشعر وكان صوتي يختنق داخل حنجرتي وأنا أتكلم.
فما كان من أحمد إلا أن رَبَّت على كتفي قائلا:
هدئي من روعك يا شمس، لم كل هذا التوتر والقلق؟؟
أنا لم أفهم حتى الآن حقيقة طلبك هذا!!!
صدقيني لا نية لي بإفساد علاقتك مع غيث على الإطلاق.
ولا أعلم ما الذي دفعك للتحدث معي بهذا الخصوص، كما أني أنا أيضاً على علاقة جادة مع آنسة تدعى سهر، ونحن على وشك إعلان خبر خطوبتنا قريباً ولهذا حضرت إلى هنا كي أعلم والدي بالأمر.
في هذه اللحظة تنفست الصعداء، وشعرت بأن نافذة أمل فتحت أمامي، وبأن أحمد فعلاً هو سيكون طوق نجاتنا جميعاً من وقوع أية كارثة.
فقررت أن أخبره بالقصة كاملة دون أن أخفي عنه نوايا والده السيئة تجاه غيث وعائلته.
كان وقع النبأ عليه صعباً وقاسياً بلا شك، لكنه قال لي بأنه غير متفاجئ أبداً لأن لخالد سوابق شر عديدة.
وقبل أن نتودع وعدني بأن يتكفل بحل المسألة دون أن يشعر خالد بأن هذا الأمر قد حصل بطلب مني.
في صباح اليوم التالي توجهت نحو المستشفى لرؤية غيث قبل الذهاب إلى عملي، لكني فوجئت بوجود أحمد هناك.
ألقيت التحية عليهما وقلت:
ما الأمر؟!! ما الذي جاء بك إلى هنا يا أحمد، وكيف وصلت إلى غيث؟
هل يمكنني أن أفهم ما الذي يحصل؟
غيث أجبني من فضلك.
هنا تدخل أحمد على الفور قائلاً :
أنا عرفت مكان غيث من والدتك خالتي عبير، فلا داعي للقلق.
لقد أمضيت طيلة الليلة الماضية وأنا أفكر بحل لهذه المشكلة إلى أن توصلت لقرار.
لا بد لغيث أن ينتقل من هنا في أسرع وقت، سأحاول ترتيب كل شيء لنقله عبر طائرة خاصة ليلاً، وستكونين برفقته مع والديه، ستسافرون إلى بيروت وستقيمون في بيت في الجبل لبعض الوقت حتى يستعيد غيث كامل صحته.
وفي هذه الأثناء سأكون أنا قد تدبرت حل كل شيء مع والدي.
لا تقلقي يا شمس، سيكون كل شيء على ما يرام، أعدك بهذا.
غادر أحمد تاركاً لي بعض التفاصيل الخاصة بخطته، لكن قلبي لم يكن مطمئناً، كان يتملكني شعور غريب، وكأن القادم أسوأ.
إنصاف غسان قرقناوي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق