_ صور من وحي الانتفاضة الفلسطينية _
قصص قصيرة ، بقلم : حسين ابوالهيجاء
صورة - 2 -
* لا تبكي يا اُمي !
انكمشَ على حزنه .. !!
.. كان غضبهُ و حزنهُ اكبر من اعوامه السبع ، التي خلَتْ من الربيع !
حارَتْ والدتهُ في امرِهِ ، و أقلَقَها صمتُهُ الحزين ! .
جالَسَتهُ مع اخيه الذي يكبرهُ بخريفين ، بكل الحنان الذي تكاثَف و تخَمّرَ في صدرها ، منذ ارتقاء والد صغيريها شهيدا :
-- ما بكَ يا حبيبي .. ما الذي جعلك حزيناً كل هذا الحزن يا احمد .. اخبرني يا ولدي ، هل تشاجرت مع احدٍ في المدرسة ? .. أخبِر امكَ حبيبتكَ .. ! ، الم تقُل انكَ اصبحتَ رجلاً .. و ان الرجال لا يبكون ?!!
.. غصةٌ حارقةٌ كانت تُحشرِج حروفهُ المُختنقة :
-- لقد سخِروا مني يا امي .. ، قلتُ لهم ان روح ابي تبيتُ كل ليلة على اغصان شجرة الزيتون الكبيرة في حديقة بيتنا .. ، لم يصدقوا .. و سخِروا مني .. و كانوا يضحكون .. يضحكون .. ! ( وشهَقَ باكياً ) .
مسحَتْ دمعةً سحّتْ بمحاذاة انفها ، و ضمتّهُ الى صدرها و قالت :
-- لا تحزن يا ولدي .. لا تحزن .!
وحاولَتْ جاهدة ان لا تدعهُ يراها باكية ..
تابعَ احمد من خلال اختناقه :
-- قلتُ لهم ( امي لا تكذب ) ، امي قالت ان روح ابي مُعلّقة على اغصان الشجرة .. ، لم يصدقوني .. و ضحكوا .. ضحكوا كثيرا ..
( خنقَتْ دموعها و اختنقتْ معها .. )
سأَلها بكل براءة و حنين :
-- لماذا تنام روح ابي على الشجرة يا امي .. ?!
بذلتْ جهداً جباراً كي يأتي صوتها متماسكاً :
-- لان ارواح الشهداء تحرسُ الاحياء يا ولدي .
( وشدتهُ الى صدرها اكثر ) و تابعتْ :
-- تأتي روحُ ابيكَ لتحرسنا .. لتحمينا من الاشرار يا حبيبي .
( وبكى قلبها .. )
و راح احمد يحلم بروح والده على شجرة الزيتون . راح يستأنس وجوده معهم .. ، فهو يعرف ان والدته لا تكذب .. لا تكذب ..
.. تلك الليلة ، كان الاشرارُ يطاردون خليّةً فدائية ..
كان الاشرارُ يُضيئون الليلَ بنيرانهم
كانت رصاصاتهم تخترق بيت احمد
فزعَ الجميع ..
اندفع احمد الى الحديقة ،، اندفع الى الشجرة ليحتمي بروح والده ..
اندفعا خلفه لِ يمنعاهُ ،، لِ يأتيا به من بين الرصاص ..
حالتْ الطلقاتُ بينهم ..
راح احمد يتسلّق الشجره مناديا روح ابيه
راحت الام و الاخ يصرخان باعلى صوتيهما :
-- احمااااااد .. عدُ يا احماااااد ، انزل يا ولدي ي ي ،، انزل يا احماااااد .
و كان صوت ازيز الرصاص يقطع نداءهما
و احمد ينادي روح ابيه من اعلى الشجرة
و الام تشهق : -- يا ولدي ي ي
نفَرَ الدمُ من كتِفِ احمد ..
صرخ : -- ابي ي ي
صرخا : -- احماااااااد
نفرَ الدمُ من خاصرته ..
صرخَ : -- ابي ي ي ي
صرخا : -- احماااااااد
انتحبَتْ : -- يا ااا ولدي ي ي ي
يا حبيبي ي ي ي ي
نفرَ الدمُ من صدره .. من عُنُقهِ ..
تراجع صوتُهُ : -- امي .. هذا ابي جاء يأخذُني يا أمي يا امي .. يا .. أُم م م ...
صرختْ : -- ولدي ي ي ي ي
تهادى على الاغصان .. ، اندفعا اليه ..
كان ينظرُ بعيداً .. بعيداً ..
و يبتسم !!
* * *
_ انا صاعد يا اجمل الامهات ،، فلا تبكي ___ ح _
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق