ندى
قصة/ عادل الصفار
أتأمل الحديقة من خلال نافذتي.. أتأملها في الليالي المقمرة.. ومع فجر كل صباح بعد ان ينساب الى مسامعي صوت العصافير وهي تردد لحنها المعتاد فتسارع روحي لتمرح على اغصان الاشجار كطفل يلبي نداء اصدقاء يحبهم.. لكني هذه المرة لم يجذبني فجر الصباح ولم أقف ملبياً دعوة العصافير الى مرحها.. بل وجدت روحي تحملها النسمات وتعلقها بين اغصان شجرة التفاح.. ثم راحت تغسلها بقطرات الندى المنتشرة على وريقاتها الخضر حتى خلتها تفاحة قرمزية متدلية بين اغصان الشجرة تلمع عليها خيوط اشعة ذهبية معلنة شروق شمس يوم جديد.. ندى التفاحة أم التفاحة ندى تلك التي تتأمل اشراقة وجهها في مرآة الشمس فترسم ابتسامتها لوحة أمل لتحقيق احلام مستحيلة.. هكذا أراها.. واشعر بها تهمس بكلمات يرددها لسان حالها: حققت أمنيتي في الأمومة فأنجبت بنتاً وولداً..
لا أعلم كيف تجرأت ذات مرة وسألتها:
ـ هل تزوجت عن حب..؟
فكان جوابها: ـ لا.. هو من عالم وانا من عالم آخر..
جعلني جوابها ابتسم بمرارة ألم ما لبث حتى راح يتفاقم بشدة اذ وجدت روحي تتراءى لي بين قدمي مسحوقة وهي تشكو لربها ظلماً يلحق بها من أجل رغبة عابرة أو أمنية قد نندم عليها فيما بعد.. تنبهت الى ان أشعة الشمس قد انتشرت بشكل واسع على الجدران وغطت مساحة الحديقة.. تذكرت اني سأتأخر عن العمل فتهيأت لمغادرة البيت..
*****
حين دخلت القسم الذي أعمل فيه وجدت ندى جالسة تباشر عملها خلف جهاز الحاسوب، وما ان ألقيت عليها التحية حتى ابتسمت ابتسامتها التي عهدها فجلست اتاملها وهي تزداد اتساعاً وعمقاً، يا لها من ابتسامة لا تليق الا بوجه كوجهها وهي ترد التحية وتسألني عن حالي وأموري.. وأنا أجيبها بسعادة تزداد مع رقتها ونغمة صوتها حتى سألتها:
ـ ندى.. الابتسامة لا تفارق وجهك ابداً.. هل سعيدة في جميع تفاصيل حياتك..؟
لم تجبني.. لكني شعرت بروحي بين احضانها تضمها بشغف شديد بينما عيناها تقطران بالندى على وجنتيها المتوردين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق