الأربعاء، 3 أغسطس 2022

في غياب الأخلاق...للمبدع محمد عزو حرفوش

في غياب الأخلاق..
القصة السادسة.. الولدُ العاق.
كانَ ولده الوحيد.. عمل على تربيته بدمه وعرقه ورمش عينه حتى لا يشقى.. وسخّر حياته مع زوجته لهذه الغاية.
كان قلبه يضحك عندما يراه يكبر أمام عينيه.
حصل سليم على الثانويّة وانتقل إلى المدينة ليكمل دراسته في كلية الحقوق.. وأصبح أبوه يعمل ليلاً ونهاراً ليوفّر له طلباته التي لا تنتهي.
كبر سليم.. وكبرت معه طموحاته.. وباتت القرية وأهلها أقلّ من مستواه.. ولم يعد يزورها.. وهو يرتقي بالسلّم الوظيفي.
أصبح لديه خدم وحشم ومرافقات.
قرّر أبو سليم مفاجأة ولده بزيارة حين غلبه الشوق لرؤيته.
لم يُدخلوه في البداية حتّى تأكّدوا أنّه أبوه.. وحين دخل عرين الباشا وجده مع بعض أصحابه.. ودون أن يتحرك أشار له بيده كي يجلس عند الباب؟! ففعل وهو غير مصدق أنّه ليس في حلم.. وعندما طلب أحد الموجودين من الباشا أن ينظر في حاجة الرجل ويصرفه؟!. أجاب ( لا مشكلة ينتظر. هذا فلاح يعمل عندي في المزرعة ).
وقعت هذه الكلمات كرصاصة غدر أيقظته من وهمه.. فنهض مهشّم القلب والروح.. خرج يقول.. سامحك الله يا باشا.. إيّاك أن تتبع هذا الفلاح.. وابحث عن مكان آخر تدفن فيه بعد عمر طويل.. فلا يليق بمقامك أن تدفن إلى جانبي في مزرعتك.
عاد إلى قريته البعيدة في ذات اليوم.. صُدمتْ زوجته العجوز بزوجها وكأنّه كبر ألف عام.. فعاجلته بسؤال مرتجف.. هل أصاب ولدنا مكروه؟!.
أمسك بغصن شجرة تفاح أمام منزله وقال.. انسيه يا عجوز انسيه.. انسيه يا من كنت أمّه. خدمتُ جذع الشجر فأورق وأثمر.. وخدمت فرعي من البشر فأنكر وتكبّر وتجبّر. لم يرحمني في خريف عمري.. كسر جناحي وقلبي وقد نادتني المنيّة. لم يرحمني وقد ربيته لحماً طرياً. سامحك الله يا ولدي إن كنت بشراً سويّا.
سقط أرضاً والغصن في يده.. احتضنه برفق.. وأوصى زوجته التي سجدت بقربه بأن يُدفن الغصن معه.. وهمس بحشرجه.. يا عجوز أستودعك الله وغصناً آخر ادفنيه معك.
صرخت أم سليم وبكته أربعين يوماً ثم دُفنت مع غصن التفاح إلى جانبه.
زار أيوب قبريهما في مزرعة الباشا وكتب عليهما رحمهما الله قد رحلا عن هذه الدنيا دون أن يُنجبا.. ومن لا ينجب يموت؟!.
.. محمد عزو حرفوش.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق