الخميس، 19 مارس 2020

منذ نيف ... قصة للأديب ساحر الحرف نادر جمعة الأعمى

منذ نيف وخمسين عام 
كانت عائلتنا لاتتجاوز الأفراد الستة، كنا نعيش في قرية كنت أحسبها كل الكون، كنت أعتقد أن الشمس تودع آخر الدنيا عند آخر حقل من القمح في قريتنا، وتشرق من وراء الجبل الذي تفصلنا عنه قرية تجاورنا 
كان والدي فلاحا نشيطاً ، وكان صوته عذبا شجياً ، كنت أستعذب سماع صوته وهو يردد أغاني تلك الايام والتي كان الكثير من الناس يرددونها 
لكن غناء والدي كان هو الأجمل ، وصوته هو الأعذب والأرحب ،
لا أعرف إن كان هو كذلك، لكن شعوري هو الذي يقول ذلك 
كان يستيقظ على صوت والدتي الجميلة ، نعم هي جميلة جدا ، إنها والدتي فكيف لاتكون جميلة ؟؟ 
لقد تجاوز جمالها جمال الشمس في أول النهار وصورة القمر في ليالي الصيف المقمرة 
كانت والدتي توقظ والدي بعد أن تقوم بحلب البقرة وتسخين الحليب والتنظيف تحت البقرات ونقل الروث الى مزبلة كانت في حاكورة  لاتبعد كثيرا عن بيتنا الريفي البسيط 
بيتنا الذي كان مكونا من غرفة ومطبخها يفصل بينهما حائط من الأعواد الطرية التي تشابكت بطريقة فنية جميلة 
كان مطبخنا هو غرفة نومي أنا وأخي الذي يكبرني بعامين ، بينما أخي الصغير كان يستأثر بحضن أمي في أغلب الأوقات ،
كانت والدتي تقوم يوميا بوضع العلف للبقرات وتغلي الحليب ثم تقوم بعجن الدقيق تحضيرا لخبزه على التنور بعد عودتها من مرافقة والدي إلى الحقل حاملة معه قطعة من المحراث أو بعضا من البذار التي كان يزرعها في حقلنا البعيد حيث تلفظ الشمس أنفاسها الأخيرة آخر النهار
بقلمي :نادر جمعة الاعمى 
يتبع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق