الاثنين، 2 مارس 2020

إضاءة أدبية لقصيدة د. غسان منصور حروفي بك تتباهى....بقلم المبدعة ساحرة الحرف د. ليلى الصيني

إضاءة أدبية مكثفة لقصيدة الشاعر السوري
غسان منصور.....
(حروفي بك تتباهى)
بقلم د.ليلى الصيني
............
سأل الأصمعي أعرابية عن الحب فقالت :
هو في الصدور كامن كمون النار في الحجر إن قدحته أورى وإن تركته توارى ...
الحب شعور داخلي يحمل صاحبه على الميل نحو شخص آخر والرغبة به ،وهذا الشعور إن حُرك عاش وإن أهمل مات ،وكما أن الحجر على برودته يقدح شررا إن وريت ناره فإن القلب على سكونه يتقد ويتأجج إن أيقظت فيه الحب ...
وقد إختلفت الآراء في ماهية الحب وقد اعتبره بعضهم :
أنه اتصال بين النفوس المقسومة عن أصل عناصرها ...
وجان جاك روسو اعتبره
إنه شعلة غير مرئية يضرمها السمع أو البصر فتمنح المرء حياة أسمى من الحياة العادية وأشمل
هذا يعني أن الحب انفعال قوي أمام معالم الجمال به تتجاذب اجزاء الوجود فتتناغم وتتكامل كأعضاء الجسم المتآلفه وبواسطته تتبلور فكرة إتحاد المحب بالمحبوب فيغدو الرائي هو المرئي نفسه
وما دام الحب أمرا ذاتيا فإنه يختلف باختلاف الأفراد منهم من يراه علاقة جسدية ومنهم من يراه علاقة روح بروح
منهم من يراه كفاية نظر أو لقاء في البعد أو وصالا بالفكر ،ومنهم من يعتبره داء يحب الموت به
وفي المجتمعات كلها كثرت اخبار المحبين والعشاق وهي تتشابه احيانا وتتداخل كما هي حال العذريين العرب
وبرزت أسماء أشخاص من صنع المخيلة حيكت حول عشقهم أخبارا تجاوزت حدود المنطق فبلغت شهرة عالمية وحملت مغازي و رموزا متنوعة كروميو وجوليت وفالنتاين حيث إرتقى الى مستوى القداسة وصار شفيع العشاق
فميزة الحب أنه منبع وحي لما تبدعه الفنون رسما ورقصا ونغما وشعرا ...
وإذا كانت الإعراببة لجأت إلى التشبيه والتلميح لتوضيح معنى الحب فإن التعبير الى الصادق منه مع الكتاب والشعراء
فيضا ذاتيا في قطع أدبية تجسده وتثبت وجوده وقد كان الحب ولا يزال يرافق الحركة الأدبية فتحدث الأدب شعرا ونثرا عن اتجاهاته الإباحية والعذرية والروحية كما عبر المتصوفون عن الحب الذي يصلهم بالذات الآلهية
.....................
القصيدة
(حروفي بك تتباهى )

كم ناظرتني عيون ولا نالت ...مناها
وكم داعبت الكواعب بالغزل السمع

و أنا لأجلك جاهدت نفسي و هواها
وما كان لغيرك بالوصال .. من طمع

دروب العشق كم كنت قبلك أخشاها
وحاولت ردع القلب عنك .. مااقتنع

هذا الشقي راود نفسي ... فأغواها
ومشى على جسر التعلق ... واندفع

جادلت نبضي فراح عني .. يتلاهى
والعقل غاب عن التفكير ... وانقطع

أمضيت عمري بأحلام كنت أحياها
أمني النفس بفأل الحظ .....والودع

أمتطي صهوة الخيال ضبحا فألقاها
مهيضة الركاب نكس الرجاء ...فأقع

حتى أتيتِ يا منية النفس .. ورجاها
فتنسك قلبي بمحراب وصلك وهجع

وكتبت لأجلك حروف عشق تتباهى
وتغدو رضابا بقوافي شعري والسجع
................................
عنوان يختزل مضمون
أبيات شكلت الحبيبة منطلقا ونتيجة لها
والمضمون صور لنا أن الحبيبة هي المدار وهي المركز الذي يدور الشاعر في فلك حبها والوفاء والاخلاص ومدى الجاذبية والتعلق بها ...
فالحب هو بمنزلة القداسة
فبدأ قصيدته بكم الخبرية التي تدل كثرة المعجبين به ولم يعطهم اي اهتمام فالمعجبات كثيرات والمغريات كذلك (داعبت الكواعب سمعه )
فهو في صراع نفسي من أجلها وهذا الصراع من أقسى انواع الصراع (لأجلك جاهدت نفسي )
فهي الملهمة التي علمته معنى العشق ...(,دروب العشق قبلك كنت اخشاها)
وهي التي أسرت قلبه وسطت على تفكيره
وهي الحلم والأمل وهي التي تثري خياله بكل الجمال
هي كل شيء جميل في حياته
الأبيات كلها دارت حول هذه الحبيبة ومدى وفاء الشاعر وإخلاصه لها
ومن أجل أن يعبر عن حبه ووفائه ويحافظ على طهارة حبه
كان له أسلوبه البارع باختيار ألفاظه المناسبة فقد أبدى مهارة في جعل الأفكار مرئية على عمقها واضحة المعالم على دقتها وهذا ما يشد القارىء إلى أجواء النص ويحمله على التآلف مع المناخ الذي يوجده الشاعر
فلدى غوصنا في أعماق الأبيات
نخرج منها بدرر الصور البيانية :
العيون تناظر (استعارة )، الكواعب اي النهود تداعب
(جادلت نبضي) كناية واستعارة
(فأل الحظ والودع ،
امتطي صهوة الخيال صبحا )استعارة ...
هذه الصور هي مرآة لخيال الشاعر الزاخر بالابداع كان له الدور البارز في التعبير عن صدق الشاعر ووفائه
وقد ظهر الشاعر من خلال ابياته مرهف الإحساس تجاه الكلمة الحلوة والعبارة التي تحمل معنى مكثفا فهو يجمع الألفاظ يجس نبضها ويصغي الى جرسها ووقعها
(امتطي صهوة الخيال ضبحا فالقاها
مهيضة الركاب نكس الرجاء فأقع )
مفرادات راقية في عبارة رائعة احسن الشاعر في صياغتها لتشكل قلادة يزهو المعنى جمالا بها....
................
بحجم الشعر و كون المعاني ..أهديك حروفي المتواضعة شاعر حمص العدية د.غسان منصور....

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق