الرجل المطر (١٢)
وصلتني دعوة من فرقة أوركسترا شهيرة لحضور حفل سيقام على أحد أهم المسارح في المدينة لعرض أوبرا غنائية لرواية روميو و جولييت سيرافقها راقصي باليه ضمن العرض المسرحي، و لأني من هواة هذا النوع من النشاطات الثقافية و الفنية أحاول دائمآ أن أغذي ذائقتي الموسيقية و الأدبية من خلال هذه الأمسيات التي تقام على مدار العام كلما سنحت لي الفرصة بذلك.
كان من الصعب أن أرفض تلبية هكذا دعوة مغرية خاصة في أحب الفصول إلى قلبي.
فصل الخريف الذي يضج جمالا بألوانه الساحرة و يشع بهجة بأجوائه الرومنسية التي تضفي رونقا خاصا في كل الزوايا.
انتظرت قدوم موعد الحفلة بفارغ الصبر، كنت أتوق شوقا للاستمتاع بهذا العرض المميز و الذي سيحملني إلى عالم خاص يشبه روحي الحالمة و العاشقة.
ارتديت فستانا أسودا قماشه من القطيفة الناعمة كنت قد اشتريته خصيصا لهذه الأمسية، و وضعت وشاح محبوبي الذي كان قد تركه لي كتذكار لأشعر بأنه يرافقني في هذه الليلة. شعرت بعد الانتهاء من تجهيز نفسي بسعادة لا توصف، كأن الكون كله على موعد معي.
قد يكون هناك، ينتظرني على أحد المقاعد أو قد أجده بين الموسيقيين أو ربما يكون واحدا من منظمي الحفل.
كنت أهذي بأفكاري طيلة الطريق، أقود سيارتي و أنا أرسم سيناريوهات مختلفة في رأسي من شدة شوقي للقاء حبيبي الرجل المطر.
وصلت أخيرا ووجدت مقعدي الذي يحمل الرقم المطبوع على بطاقة الدعوة، جلست و نبضات قلبي في تسارع و تصاعد، لوهلة ظننت أن صوتها أعلى من ضجيج القاعة كلها.
فجأة خفتت الأضواء و عم السكون، و بدأ العرض المنتظر. مر الوقت و شغفي للمزيد لم ينتهي، كان كل شيء ساحر، الموسيقى و مطربي الأوبرا و راقصي الباليه، جميعهم رائعين و مبهرين في أدائهم.
انتهى العرض و تعالت أصوات التصفيق بحرارة كفوف الجماهير، و أسدلت الستارة.
بدأ الجميع بمغادرة الصالة و عند الباب كان يجرى سحب لبطاقة فائزة بأسطوانة للمسرحية و تفاجأت بأن بطاقتي هي الفائزة، يا لحظي الكبير، لكن المفاجأة الأكبر كانت أني وجدت إمضاء من حبيبي مكتوب على غلاف الاسطوانة بعبارة تقول:
(كنت أجمل الحضور حبيبتي، شكرآ لأنك لبيتي دعوة حبيبك الرجل المطر)
و قبل أن يستوعب عقلي ما حصل، كان هناك خلف الزجاج يختفي و مظلته الحمراء تسبق خطواته.
نعم هذا هو حبيبي، إنه الرجل المطر.
إنصاف غسان قرقناوي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق