الرجل المطر (١٠)
مر شهر كامل على بداية فصل الخريف الذي يعتبره البعض الفترة الأكثر كئابة من فصول السنة، ربما لأن طقسه متقلب أو كما يقال بأن أحواله مزاجية و غير ثابتة على نمط معين، فإما ماطر و عاصف، أو مشمس و دافئ.
لكني أعشقه بكل حالاته، و أعشق أن أتمشى بين غابات شاخت أشجارها و سقطت لترسم على سطح الأرض لوحة طبيعية بدون ريشة رسام، جمالها لا يحتاج لأي إضافات أو رتوش لأنها من صنع الخالق عز وجل.
كان يومي روتينيا، عدت من عملي و تناولت وجبة عشاء خفيفة و قررت الذهاب للمشي في منتزه قرب منزلي محاط بأشجار شامخة من نوع فريد، و في هذا الموسم من السنة عادة يقصده العديد من هواة التقاط صور تذكارية بين الأوراق التي لونتها سحر الطبيعة.
أخذت الكاميرا الخاصة بي و سكبت قهوتي الساخنة بكوب حافظ للحرارة كي يرافقني في أمسيتي كالعادة.
الأجواء كانت جد ساحرة و خلابة، نسيم الهواء كان أشبه بقبلات تعانق وجنتي و شعري، شعور جميل سرى بوجداني، انتابني إحساس بأني جئت لموعد غرامي للقاء حبيبي المجهول، كان يقيني بأنه في مكان ما هنا داخل المنتزه، لا بد أن يظهر من خلف إحدى الأشجار العارية ببدلته السوداء و وشاحه الذي يغطي عنقه الراقد تحت مظلته الحمراء.
بدأت بالتقاط الصور قبل أن تغيب الشمس التي كانت تبدو كأنثى خجولة تختبئ خلف السحاب قبل أن تودع أحبتها.
جلست على أحد المقاعد الخشبية و أنا أترقب بشغف مشهد الغروب البديع، قهوتي بصحبتي و قلبي يتمنى لو أن محبوبي يشاركني هذه اللحظات. كبد السماء يبدو كأنه نسج بخيوط من الذهب، لوحة رسمت بعظمة الخالق تخشع لها القلوب من شدة روعتها.
حل الظلام و ازدادت برودة الطقس، نهضت من مقعدي و خطواتي لا تريد مغادرة المكان، ما زال هناك الكثير من هواة التصوير و عشاق يتعانقون تحت رذاذ الشتاء الذي بدأ ينهمر ليروي قلوبهم الهائمة بالحب.
و أنا بين الحشود أمشي متلهفة لملاقاة طيفه الذي برق أمامي كومضة نور، ركضت مسرعة نحوه كأني أمتطي صهوة ريح لعلي ألحق به.
لكنه اختفى، و هذه المرة اختفى تاركا لي وشاحه معلقا على غصن شجرة طرز عليه باللون الأحمر كلمة أحبك، هذا تذكار من حبيبك، أنا الرجل المطر.
إنصاف غسان قرقناوي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق