الرجل المطر
اعتدت عند كل غروب أن أجلس على أريكتي المفضلة أمام نافذتي المطلة على حديقة منزلي برفقة كوب قهوتي، و أنا أشاهد الشمس و هي تودع كبد السماء، ليأتي و يحل محلها القمر الذي كلما أضاء عتمة ليلي أشعر بأنه يود أن يخبرني شيئا.
لكن يبقى لفصل الخريف نكهة خاصة به، أجواءه الماطرة لها عبق فريد.
في تلك الليلة غربت الشمس، كنت ألاحقها و بداخلي شعور غريب، كأني بانتظار حدث ما.
كانت السحب متلاحمة بشكل كثيف، و أوراق الشجر الصفراء تعانق غصونها بشدة كمن يخشى مفارقة أحضان الحبيب. بدت ملامح حديقتي شاحبة كأنها شاخت من معاناتها مع ريح قارسة تود أن تفتك بكل تفاصيلها الجميلة.
كان نور القمر خافتا كمن جاء أحدهم و أطفأ قناديله، حتى النجوم لم تظهر لتزين أفق الفضاء كما اعتادت في كل ليلة من ليالي الخريف الذي يشبه أمسية رومنسية يصحبها معزوفة موسيقية يقودها قائد أوركسترا شهير.
عندها بدأت قطرات المطر تنهمر لتروي الأوراق المتساقطة على الأرض لتخبرها بأن عهدها قد انتهى و كأنها تبكي لمفارقتها الحياة.
حينها ظهر أمامي خيال ظله طويل يمتطي سحابة على شكل قلب تزينه نجوم لامعة، بدا لي وجه كالبدر المنير، وسامته جعلت نبض قلبي ينتفض داخل أضلعي و كأنه أصيب بماس كهربائي، عيناه كانتا كالسهام، و مظلته الحمراء كانت تحمل لي معها رسالة عاشق هطل من السماء كتب عليها، هذا أنا حبيبك، أنا الرجل المطر.
إنصاف غسان قرقناوي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق